كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

الرسول صلى الله عليه وسلم أو تطرق إليه نسخ لم يسمعه الراوي وعرفه أهل الإجماع وإن لم ينكشف لنا فإن رجع الراوي كان مخطئا لأنه خالف الإجماع وهو حجة قاطعة وإن رجع أهل الإجماع إلى الخبر قلنا كان ما أجمعوا عليه حقا في ذلك الزمان إذ لم يكلفهم الله ما لم يبلغهم كما يكون الحكم المنسوخ حقا قبل بلوغ النسخ وكما لو تغير الاجتهاد أو يكون كل واحد من الرأيين حقا عند من صوب قول كل مجتهد
فإن قيل فإن جاز هذا فلم لا يجوز أن يقال إذا أجمعت الأمة عن اجتهاد جاز لمن بعدهم الخلاف بل جاز لهم الرجوع فإن ما قالوه كان حقا ما دام ذلك الاجتهاد باقيا فإذا تغير تغير الفرض والكل حق لا سيما إذا اختلفوا عن اجتهاد ثم رجعوا إلى قول واحد وهلا قلتم إن ذلك جائز لأنهم كانوا يجوزون للذاهب إلى إنكار العول وبيع أم الولد القول به ما غلب ذلك على ظنه فإذا تغير ظنه تغير فرضه وحرم عليه ما كان سائغا له ولا يكون هذا رفعا للإجماع بل تجويزا للمصير إلى مذهب بشرط غلبة الظن فإذا تغير الظن لم يكن مجوزا ويكون هذا مخلصا سادسا في المسألة التي قبل هذه المسألة
قلنا: ما أجمعوا عليه عن اجتهاد لا يجوز خلافه بعده لا لأنه حق فقط لكن لأنه حق اجتمعت الأمة عليه وقد أجمعت الأمة على أن كل ما أجمعت الأمة عليه يحرم خلافه لا كالحق الذي يذهب إليه الآحاد
وأما إذا اختلفوا عن اجتهاد فقد اتفقوا على جواز القول الثاني فيصير جواز المصير إليه أمرا متفقا عليه ولا يجوز أن يقيد بشرط بقاء الاجتهاد كما لو اتفقوا على قول واحد بالاجتهاد فإنه لا يشترط فيه أن لا يتغير الاجتهاد بل يحرم خلافه مطلقا من غير شرط فكذلك هذا
فإن قيل: فلو ظهر للتابعين ذلك الخبر على خلاف ما أجمعت الصحابة عليه ونقله إليهم من كان حاضرا عند إجماع أهل الحل والعقد ولم يكن الراوي من أهل الحل والعقد؟

الصفحة 374