كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

والثاني استصحاب العموم إلى أن يرد تخصيص واستصحاب النص إلى أن يرد نسخ
أما العموم فهو دليل عند القائلين به وأما النص فهو دليل على دوام الحكم بشرط أن لا يرد نسخ كما دل العقل على البراءة الأصلية بشرط أن لا يرد سمع مغير
الثالث: استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه كالملك عند جريان العقد المملك وكشغل الذمة عند جريان إتلاف أو التزام فإن هذا وإن لم يكن حكما أصليا فهو حكم شرعي دل الشرع على ثبوته ودوامه جميعا ولولا دلالة الشرع على دوامه إلى حصول براءة الذمة لما جاز استصحابه فالاستصحاب ليس بحجة إلا فيما دل الدليل على ثبوته ودوامه بشرط عدم المغير كما دل على البراءة العقل وعلى الشغل السمعي وعلى الملك الشرعي
ومن هذا القبيل الحكم بتكرر اللزوم والوجوب إذا تكررت أسبابها كتكرر شهر رمضان وأوقات الصلوات ونفقات الأقارب عند تكرر الحاجات إذا أفهم انتصاب هذه المعاني أسبابا لهذه الأحكام من أدلة الشرع إما بمجرد العموم عند القائلين به أو بالعموم وجملة من القرائن عند الجميع وتلك القرائن تكريرات وتأكيدات وإمارات عرف حملة الشريعة قصد الشارع إلى نصبها أسبابا إذا لم يمنع مانع فلولا دلالة الدليل على كونها أسبابا لم يجز استصحابه
فإذن الاستصحاب عبارة عن التمسك بدليل عقلي أو شرعي وليس راجعا إلى عدم العلم بالدليل بل إلى دليل مع العلم بانتفاء المغير أو مع ظن

الصفحة 379