كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

الهبوب وانعقد مشروطا بعدم الماء فإذا وجد فلا إجماع فيجب أن يقاس حال الوجود على حال العدم المجمع عليه بعلة جامعة فأما أن يستصحب الإجماع عند انتفاء الإجماع فهو محال وهذا كما أن العقل دل على البراءة الأصلية بشرط أن لا يدل دليل السمع فلا يبقى له دلالة مع وجود دليل السمع وههنا انعقد الإجماع بشرط العدم وانتفى الإجماع عند الوجوب أيضا
فهذه الدقيقة وهي أن كل دليل يضاد نفس الخلاف فلا يمكن استصحابه مع الخلاف والإجماع يضاده نفس الخلاف إذ لا إجماع مع الخلاف بخلاف العموم والنص ودليل العقل فإن الخلاف لا يضاده فإن المخالف مقر بأن العموم مقر بأن العموم تناول بصيغته محل الخلاف إذ قوله صلى الله عليه وسلم "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" شامل بصيغته صوم رمضان مع خلاف الخصم فيه فيقول أسلم شمول الصيغة لكني أخصصه بدليل فعليه الدليل وهاهنا المخالف لا يسلم شمول الإجماع محل الخلاف إذ يستحيل الإجماع مع الخلاف ولا يستحيل شمول الصيغة مع الدليل فهذه الدقيقة لا بد من التنبه لها
فإن قيل: الإجماع المتقدم يحرم الخلاف فكيف يرتفع بالخلاف؟
قلنا: هذا الخلاف غير محرم بالإجماع وإنما لم يكن المخالف خارقا للإجماع لأن الإجماع إنما انعقد على حالة العدم لا على حالة الوجود فمن ألحق الوجود بالعدم فعليه الدليل
فإن قيل: فالدليل الدال على صحة الشروع دال على دوامه إلى أن يقوم دليل على انقطاعه
قلنا: فلينظر في ذلك الدليل أهو عموم أو نص يتناول حالة الوجود أم لا؟ فإن كان هو الإجماع مشروط بالعدم فلا يكون دليلا عند الوجود
فإن قيل: بم تنكرون على من يقول الأصل أن كل ما ثبت دام إلى وجود

الصفحة 381