والجواب من أربعة أوجه:
الأول : أن ذلك ليس لكونه نافيا ولا لدلالة العقل على سقوط الدليل عن النافي بل ذلك بحكم الشرع لقوله البينة على المدعي واليمين على من أنكر ولا يجوز أن يقاس عليه غيره لأن الشرع إنما قضى به للضرورة إذ لا سبيل إلى إقامة دليل على النفي فإن ذلك إنما يعرف بأن يلازمه عدد التواتر من أول وجوده إلى وقت الدعوى فيعلم انتفاء سبب اللزوم قولا وفعلا بمراقبة اللحظات فكيف يكلف إقامة البرهان على ما يستحيل إقامة البرهان عليه؟
بل المدعي أيضا لا دليل عليه لأن قول الشاهدين لا يحصل المعرفة بل الظن بجريان سبب اللزوم من إتلاف أو دين وذلك في الماضي أما في الحال فلا يعلم الشاهد شغل الذمة فإنه يجوز براءتها بأداء أو إبراء ولا سبيل للخلق إلى معرفة شغل الذمة وبراءتها إلا بقول الله تعالى وقول الرسول المعصوم ولا ينبغي أن يظن أن على المدعي أيضا دليلا فإن قول الشاهد إنما صار دليلا بحكم الشرع فإن جاز ذلك فيمين المدعى عليه أيضا لازم فليكن ذلك دليلا
والجواب الثاني : أن المدعى عليه يدعي علم الضرورة ببراءة ذمة نفسه إذ يتيقن أنه لم يتلف ولم يلتزم ويعجز الخلق كلهم من معرفته فإنه لا يعرفه إلا الله تعالى فالنافي في العقليات إن ادعى معرفة إن ادعى معرفة النفي ضرورة فهو محال وإن أقر بأنه مختص بمعرفته اختصاصا لا يمكن أن يشاركه فيه إلا الله فعند ذلك لا يطالب بالدليل وكذلك أنه إذا أخبر عن نفسه بنفي الجوع ونفي الخوف وما جرى مجراه وعند ذلك يستوي الإثبات والنفي فإنه لو ادعى وجود الجوع والخوف كان ذلك معلوما له ضرورة ويعسر على غيره معرفته والعقليات مشتركة النفي منها والإثبات والمحسوسات أيضا يستوي فيها النفي والإثبات