كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

دليل ولا ضرورة مع الخلاف ولا دليل فيدل ذلك على الانتفاء
وهذا فاسد فإنه ينقلب على النافي فيقال له لو انتفى الحكم لعلم انتفاؤه بضرورة أو بدليل ولا ضرورة ولا دليل
ولا يمكنه أن يتمسك بالاستصحاب بأن يقول مثلا الأصل عدم إله ثان فمن ادعاه فعليه الدليل إذ لا يسلم له أن الأصل العدم بخلاف البراءة الأصلية فإن العقل قد دل على نفي الحكم قبل السمع من حيث دل على أن الحكم هو التكليف والخطاب من الله تعالى وتكليف المحال محال ولو كلفناه من غير رسول مصدق بالمعجزة يبلغ إلينا تكليفه كان ذلك تكليف محال فاستندت البراءة الأصلية إلى دليل عقلي بخلاف عدم الإله الثاني
وأما قولهم :لو ثبت إله ثان لكان لله تعالى عليه دليل فهو تحكم من وجهين:
أحدهما أنه يجوز أن لا ينصب الله تعالى على بعض الأشياء دليلا ويستأثر بعلمه
الثاني : إنه يجوز أن ينصب عليه دليلا ونحن لا نتنبه له ويتنبه له بعض الخواص أو بعض الأنبياء ومن خصص بحاسة سادسة وذوق أخر بل الذي يقطع به أن الأنبياء يدركون أمورا نحن لا ندركها وأن في مقدورات الله أمورا ليس في قوة البشر معرفتها ويجوز أن يكون لله تعالى صفات لا تدرك بهذه الحواس ولا بهذا العقل بل بحاسة سادسة أو سابعة بل لا يستحيل أن تكون اليد والوجه عبارة عن صفات لا نفهمها ولا دليل عليها ولو لم يرد السمع بها لكان نفيها خطأ فلعل من الصفات من هذا القبيل ما لم يرد السمع بالتعبير عنه ولا فينا قوة إدراكها بل لو لم يخلق لنا السمع لأنكرنا الأصوات ولم نفهمها ولو لم يخلق لنا ذوق الشعر لأنكرنا تفرقة صاحب العروض بين الموزون وغير الموزون فما يدرينا أن في قدرة الله تعالى أنواعا من الحواس لو خلقها لنا لأدركنا بها أمورا أخر نحن ننفيها فكان هذا إنكارا بالجهل ورميا في العماية
أما الشرعيات فقد تصادف الدليل عليها من الإجماع كنفي وجوب صوم

الصفحة 387