كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

وقد قدمتم أن المصلحة إذا خالفت النص لم تتبع كإيجاب صوم شهرين على الملوك إذا جامعوا في نهار رمضان وهذا يخالف قوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً }] النساء: من الآية93[وقوله تعالى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ } ]الأنعام: من الآية151[ وأي ذنب لمسلم يتترس به كافر ؟
فإن زعمتم أنا نخصص العموم بصورة ليس فيها خطر كلي فلنخصص العتق بصورة يحصل بها الانزجار عن الجناية حتى يخرج عنها الملوك فإذا غاية الأمر في مسألة الترس أن يقطع باستئصال أهل الإسلام فما بالنا نقتل من لم يذنب قصدا ونجعله فداء للمسلمين ونخالف النص في قتل النفس التي حرم الله تعالى
قلنا: لهذا نرى المسألة في محل الاجتهاد ولا يبعد المنع من ذلك ويتأيد بمثله السفينة وأنه يلزم منه قتل ثلث الأمة لاستصلاح ثلثيها ترجيحا للكثرة إذ لا خلاف في أن كافرا لو قصد قتل عدد محصور كعشرة مثلا وتترس بمسلم فلا يجوز لهم قتل الترس في الدفع بل حكمهم كحكم عشرة أكرهوا على قتل أو اضطروا في مخمصة إلى أكل واحد
وإنما نشأ هذا من الكثرة ومن كونه كليا لكن للكلي الذي لا يحصر حكم آخر أقوى من الترجيح بكثرة العدد وكذلك لو اشتبهت أخته بنساء بلدة حل له النكاح ولو اشتبهت بعشرة وعشرين لم يحل ولا خلاف أنهم لو تترسوا بنسائهم وذراريهم قاتلناهم وإن كان التحريم عاما لكن تخصصه بغير هذه الصورة فكذلك هاهنا التخصيص ممكن وقول القائل هذا سفك دم محرم معصوم يعارضه أن في الكف عنه إهلاك دماء معصومة لا حصر لها ونحن نعلم أن الشرع يؤثر الكلي على الجزئي فإن حفظ أهل الإسلام عن اصطلام الكفار أهم في مقصود الشرع من حفظ دم مسلم واحد فهذا مقطوع به من مقصود الشرع والمقطوع به لا يحتاج إلى شهادة أصل

الصفحة 425