كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

الإسلام واستعلاء الكفر
فإن قيل: فالكف عن المسلم الذي لم يذنب مقصود وفي هذا مخالفة المقصود
قلنا: هذا مقصود وقد اضطررنا إلى مخالفة أحد المقصودين ولا بد من الترجيح والجزئي محتقر بالإضافة إلى الكلي وهذا جزئي بالإضافة فلا يعارض بالكلي
فإن قيل: مسلم أن هذا جزئي ولكن لا يسلم أن الجزئي محتقر بالإضافة إلى الكلي فاحتقار الشرع له يعرف بنص أو قياس على منصوص ؟
قلنا: قد عرفنا ذلك لا بنص واحد معين بل بتفاريق أحكام واقتران دلالات لم يبق معها شك في أن حفظ خطة الإسلام ورقاب المسلمين أهم في مقاصد الشرع من حفظ شخص معين في ساعة أو نهار وسيعود الكفار عليه بالقتل فهذا مما لا يشك فيه كما أبحنا أكل مال الغير بالإكراه لعلمنا بأن المال حقير في ميزان الشرع بالإضافة إلى الدم وعرف ذلك بأدلة كثيرة
فإن قيل: فهلا فهمتم أن حفظ الكثير أهم من حفظ القليل في مسألة السفينة وفي الإكراه وفي المخمصة ؟
قلنا لم نفهم ذلك إذ أجمعت الأمة على أنه لو أكره شخصان على قتل شخص لا يحل لهما قتله وأنه لا يحل لمسلمين أكل مسلم في المخمصة فمنع الإجماع من ترجيح الكثرة أما ترجيح الكلي فمعلوم إما على القطع وإما بظن قريب من القطع يجب اتباع مثله في الشرع ولم يرد نص على خلافه بخلاف الكثرة إذ الإجماع في الإكراه وفي المخمصة منع منه
فبهذه الشروط التي ذكرناها يجوز اتباع المصالح
وتبين أن الاستصلاح ليس أصلا خامسا برأسه بل من استصلح فقد شرع

الصفحة 431