كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

بالنفي أو الإثبات كما تنسب القدم إلى العالم بالنفي فتقول ليس العالم قديما وتنسب الحدوث إليه بالإثبات فتقول العالم حادث
والضرب الأخير هو الذي يتطرق إليه التصديق والتكذيب وأما الأول فيستحيل فيه التصديق والتكذيب إذ لا يتطرق التصديق إلا إلى خبر
وأقل ما يتركب منه جزآن مفردان وصف وموصوف فإذا نسب الوصف إلى الموصوف بنفي أو إثبات صدق أو كذب فأما قول القائل حادث أو جسم أو قديم فأفراد ليس فيها صدق ولا كذب
ولا بأس أن يصطلح على التعبير عن هذين الضربين بعبارتين مختلفتين فإن حق الأمور المختلفة أن تختلف ألفاظها الدالة عليها إذ الألفاظ مثل المعاني فحقها أن تحاذى بها المعاني وقد سمى المنطقيون معرفة المفردات تصورا و معرفة النسبة الخبرية بينهما تصديقا فقالوا العلم إما تصور وإما تصديق وسمى بعض علمائنا الأول معرفة والثاني علما تأسيا بقول النحاة في قولهم المعرفة تتعدى إلى مفعول واحد إذ تقول عرفت زيدا والظن يتعدى إلى مفعولين إذ تقول ظننت زيدا عالما ولا تقول ظننت زيدا ولا ظننت عالما والعلم من باب الظن فتقول علمت زيدا عدلا والعادة في هذه الاصطلاحات مختلفة
وإذا فهمت افتراق الضربين فلا مشاحة في الألقاب
فنقول الآن إن الإدراكات صارت محصورة في المعرفة والعلم أو في التصور والتصديق
وكل علم تطرق إليه تصديق فمن ضرورته أن يتقدم عليه معرفتان أي تصوران فإن من لا يعرف المفرد كيف يعلم المركب؟ ومن لا يفهم معنى العالم ومعنى الحادث كيف يعلم أن العالم حادث؟
ومعرفة المفردات قسمان أولي وهو الذي لا يطلب بالبحث وهو الذي يرتسم معناه في النفس من غير بحث وطلب كلفظ الوجود والشيء

الصفحة 46