كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

ولا تظن أن هذا يتمادى إلى غير نهاية بل ينتهي إلى مفردات يعرفها العقل والحس معرفة أولية لا تحتاج إلى طلب بصيغة الحد كما أن العلوم التصديقية تطلب بالبرهان عليها وكل برهان ينتظم من مقدمتين ولا بد لكل مقدمة أيضا من برهان يأتلف من مقدمتين وهكذا فيتمادى إلى أن ينتهي إلى أوليات فكما أن في العلوم أوليات فكذلك في المعارف فطالب حدود الأوليات إنما يطلب شرح اللفظ لا الحقيقة فإن الحقيقة تكون ثابتة في عقله بالفطرة الأولى كثبوت حقيقة الوجود في العقل فإن طلب الحقيقة فهو معاند كمن يطلب البرهان على أن الإثنين أكثر من الواحد
فهذا بيان ما أردنا ذكره من القوانين
الفن الثاني من دعامة الحد في الامتحانات للقوانين بحدود مفصلة
وقد أكثرنا أمثلتها في كتاب معيار العلم ومحك النظر
ونحن الآن مقتصرون على حد الحد وحد العلم وحد الواجب لأن هذا النمط من الكلام دخيل في علم الأصول فلا يليق فيه الاستقصاء
الامتحان الأول :حد الحد اختلف الناس في حد الحد فمن قائل يقول حد الشيء هو حقيقته وذاته ومن قائل يقول حد الشيء هو اللفظ المفسر لمعناه على وجه يمنع ويجمع ومن قائل ثالث يقول هذه المسألة خلافية فينصر أحد الحدين على الآخر
فانظر كيف تخبط عقل هذا الثالث فلم يعلم أن الاختلاف إنما يتصور بعد التوارد على شيء واحد وهذان قد تباعدا وتنافرا وما تواردا على شيء واحد وإنما منشأ هذا الغلط الذهول عن معرفة الاسم المشترك على ما سنذكره فإن من يحد العين بأنه العضو المدرك للألوان بالرؤية لم يخالف من حده بأنه الجوهر المعدني الذي هو أشرف النقود بل حد هذا أمرا مباينا لحقيقة الأمر الآخر وإنما اشتركا في اسم العين فافهم هذا فإنه قانون كثير النفع

الصفحة 61