كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

فإن قلت فما الصحيح عندك في حد الحد؟
فاعلم أن كل من طلب المعاني من الألفاظ ضاع وهلك وكان كمن استدبر المغرب وهو يطلبه ومن قرر المعاني أولا في عقله ثم أتبع المعاني الألفاظ فقد اهتدى
فلنقرر المعاني فنقول الشيء له في الوجود أربع مراتب
الأولى : حقيقته في نفسه
الثانية : ثبوت مثال حقيقته في الذهن وهو الذي يعبر عنه بالعلم
الثالثة تأليف صوت بحروف تدل عليه وهو العبارة الدالة على المثال الذي في النفس
الرابعة تأليف رقوم تدرك بحاسة البصر دالة على اللفظ وهو الكتابة فالكتابة تبع للفظ إذ تدل عليه واللفظ تبع للعلم إذ يدل عليه والعلم تبع للمعلوم إذ يطابقه ويوافقه
وهذه الأربعة متطابقة متوازية إلا أن الأولين وجودان حقيقيان لا يختلفان بالأعصار والأمم والآخرين وهو اللفظ والكتابة يختلفان بالأعصار والأمم لأنهما موضوعان بالاختيار ولكن الأوضاع وإن اختلفت صورها فهي متفقة في أنها قصد بها مطابقة الحقيقة ومعلوم أن الحد مأخوذ من المنع وإنما استعير لهذه المعاني لمشاركته في معنى المنع فانظر المنع أين تجده في هذه الأربعة ؟
فإذا ابتدأت بالحقيقة لم تشك في أنها حاصرة للشيء مخصوصة به إذ حقيقة كل شيء خاصيته التي له وليست لغيره فإذا الحقيقة جامعة مانعة
وإن نظرت إلى مثال الحقيقة في الذهن وهو العلم وجدته أيضا كذلك لأنه مطابق للحقيقة المانعة والمطابقة توجب المشاركة في المنع

الصفحة 62