كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

فتعلم صناعة الحد فإذا ذكر لك اسم وطلب منك حده فانظر فإن كان مشتركا فاطلب عدة المعاني التي فيها الاشتراك فإن كانت ثلاثة فاطلب لها ثلاثة حدود فإن الحقائق إذا اختلفت فلا بد من اختلاف الحدود
فإذا قيل :لك ما الإنسان؟ فلا تطمع في حد واحد فإن الإنسان مشترك بين أمور إذ يطلق على إنسان العين وله حد وعلى الإنسان المعروف وله حد آخر وعلى الإنسان المصنوع على الحائط المنقوش وله حد آخر وعلى الإنسان الميت وله حد آخر فإن اليد المقطوعة والذكر المقطوع يسمى ذكرا وتسمى يدا ولكن بغير الوجه الذي كانت تسمى به حين كانت غير مقطوعة فإنها كانت تسمى به من حيث أنها آلة البطش وآلة الوقاع وبعد القطع تسمى به من حيث أن شكلها شكل آلة البطش حتى لو بطل بالتقطيعات الكثيرة شكلها سلب هذا الاسم عنها ولو صنع شكلها من خشب أو حجر أعطي الاسم
وكذلك إذا قيل ما حد العقل فلا تطمع في أن تحده بحد واحد فإنه هوس لأن اسم العقل مشترك يطلق على عدة معان إذ يطلق على بعض العلوم الضرورية ويطلق على الغريزة التي يتهيأ بها الإنسان لدرك العلوم النظرية ويطلق على العلوم المستفادة من التجربة حتى أن من لم تحنكه التجارب بهذا الاعتبار لا يسمى عاقلا ويطلق على من له وقار وهيبة وسكينة في جلوسه وكلامه وهو عبارة عن الهدو فيقال فلان عاقل أي في هدو وقد يطلق على من جمع العمل إلى العلم حتى أن المفسد وإن كان في غاية من الكياسة يمنع عن تسميته عاقلا فلا يقال للحجاج عاقل بل داه ولا يقال للكافر عاقل وإن كان محيطا بجملة العلوم الطبية والهندسية بل إما فاضل وإما داه وإما كيس
فإذا اختلفت الاصطلاحات فيجب بالضرورة أن تختلف الحدود فيقال في حد العقل باعتبار أحد مسمياته إنه بعض العلوم الضرورية كجواز الجائزات واستحالة المتسحيلات كما قاله القاضي أبو بكر الباقلاني رحمه الله

الصفحة 64