كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

على التحقيق مجرى القوانين
امتحان ثان :حد العلم اختلف في حد العلم فقيل إنه المعرفة وهو حد لفظي وهو أضعف أنواع الحدود فإنه تكرير لفظ بذكر ما يرادفه كما يقال حد الأسد الليث وحد العقار الخمر وحد الموجود الشيء وحد الحركة النقلة ولا يخرج عن كونه لفظيا بأن يقال معرفة المعلوم على ما هو به لأنه في حكم تطويل وتكرير إذ المعرفة لا تطلق إلا على ما هو كذلك فهو كقول القائل حد الموجود الشيء الذي له ثبوت ووجود فإن هذا تطويل لا يخرجه عن كونه لفظيا ولست أمنع من تسمية هذا حدا فإن لفظ الحد مباح في اللغة لمن استعاره لما يريده مما فيه نوع من المنع هذا إذا كان الحد عنده عبارة عن لفظ مانع وإن كان عنده عبارة عن قول شارح لماهية الشيء مصور كنه حقيقته في ذهن السائل فقد ظلم بإطلاق هذا الاسم على قوله العلم هو المعرفة
وقيل أيضا أنه الذي يعلم به وأنه الذي تكون الذات به عالمة وهذا أبعد من الأول فإنه مساو له في الخلو عن الشرح والدلالة على الماهية ولكن قد يتوهم في الأول شرح اللفظ بأن يكون أحد اللفظين عند السائل أشهر من الآخر فيشرح الأخفى بالأشهر أما العالم ويعلم فهما مشتقان من نفس العلم ومن أشكل عليه المصدر كيف يتضح له بالمشتق منه والمشتق أخفى من المشتق منه وهو كقول القائل في حد الفضة إنها التي تصاغ منها الأواني الفضية
وقد قيل في حد العلم إنه الوصف الذي يتأتى للمتصف به إتقان الفعل وأحكامه وهذا ذكر لازم من لوازم العلم فيكون رسميا وهو أبعد مما قبله من حيث أنه أخص من العلم فإنه لا يتناول إلا بعض العلوم ويخرج منه العلم بالله وصفاته إذ ليس يتأتى به إتقان فعل وأحكامه ولكنه أقرب مما قبله بوجه فإنه ذكر لازم قريب من الذات ليفيد شرحا وبيانا بخلاف قوله ما يعلم به وما تكون الذات به عالمة
فإن قلت فما حد العلم عندك؟

الصفحة 66