فاعلم أنه إسم مشترك قد يطلق على الإبصار والإحساس وله حد بحسبه ويطلق على التخيل وله حد بحسبه ويطلق على الظن وله حد آخر ويطلق على علم الله تعالى على وجه آخر أعلى وأشرف ولست أعني به شرفا بمجرد العموم فقط بل بالذات والحقيقة لأنه معنى واحد محيط بجميع التفاصيل ولا تفاصيل ولا تعدد في ذاته وقد يطلق على إدراك العقل وهو المقصود بالبيان وربما يعسر تحديده على الوجه الحقيقي بعبارة محررة جامعة للجنس والفصل الذاتي فإنا بينا أن ذلك عسير في أكثر الأشياء بل أكثر المدركات الحسية يتعسر تحديدها فلو أردنا أن نحد رائحة المسك أو طعم العسل لم نقدر عليه وإذا عجزنا عن حد المدركات فنحن عن تحديد الإدراكات أعجز
ولكنا نقدر على شرح معنى العلم بتقسيم ومثال
أما التقسيم فهو أن نميزه عما يلتبس به ولا يخفى وجه تميزه عن الإرادة والقدرة وسائر صفات النفس وإنما يلتبس بالاعتقادات ولا يخفى أيضا وجه تميزه عن الشك والظن لأن الجزم منتف عنهما والعلم عبارة عن أمر جزم لا تردد فيه ولا تجويز ولا يخفى أيضا وجه تميزه عن الجهل فإنه متعلق بالمجهول على خلاف ما هو به والعلم مطابق للمعلوم وربما يبقى ملتبسا باعتقاد المقلد الشيء على ما هو به عن تلقف لا عن بصيرة وعن جزم لا عن تردد
ولأجله خفي على المعتزلة حتى قالوا في حد العلم إنه اعتقاد الشيء على ما هو به وهو خطأ من وجهين أحدهما تخصيص الشيء مع أن العلم يتعلق بالمعدوم الذي ليس شيئا عندنا والثاني إن هذا الاعتقاد حاصل للمقلد وليس بعالم قطعا فإنه كما يتصور أن يعتقد الشيء جزما على خلاف ما هو به لا عن بصيرة كاعتقاد اليهودي والمشرك فإنه تصميم جازم لا تردد فيه يتصور أن يعتقد الشيء بمجرد التلقين والتلقف على ما هو به مع الجزم الذي لا يخطر بباله جواز غيره
فوجه تميز العلم عن الاعتقاد هو أن الاعتقاد معناه السبق إلى أحد معتقدي الشاك مع الوقوف عليه من غير إخطار نقيضه بالبال ومن غير تمكين