أرشدناك إليه في حد العلم
فاعلم أن الألفاظ في هذا الفن خمسة الواجب والمحظور والمندوب والمكروه والمباح فدع الألفاظ جانبا ورد النظر إلى المعنى أولا فأنت تعلم أن الواجب اسم مشترك إذ يطلقه المتكلم في مقابلة الممتنع ويقول وجود الله تعالى واجب وقال الله تعالى { وجبت جنوبها } الحج 36 ويقال وجبت الشمس وله بكل معنى عبارة والمطلوب الآن مراد الفقهاء وهذه الألفاظ لا شك أنها لا تطلق على جوهر بل على عرض ولا على كل عرض بل من جملتها على الأفعال فقط ومن الأفعال على أفعال المكلفين لا على أفعال البهائم فإذا نظرك إلى أقسام الفعل لا من حيث كونه مقدورا وحادثا ومعلوما ومكتسبا ومخترعا وله بحسب كل نسبة انقسامات إذ عوارض الأفعال ولوازمها كثيرة فلا نظر فيها ولكن إطلاق هذا الاسم عليها من حيث نسبتها إلى خطار الشرع فقط
فنقسم الأفعال بالإضافة إلى خطاب الشرع فنعلم أن الأفعال تنقسم إلى ما لا يتعلق به خطاب الشرع كفعل المجنون وإلى ما يتعلق به والذي يتعلق به ينقسم إلى ما يتعلق به على وجه التخيير والتسوية بين الإقدام عليه وبين الإحجام عنه ويسمى مباحا وإلى ما ترجح فعله على تركه وإلى ما ترجح تركه على فعله والذي ترجح فعله على تركه ينقسم إلى ما أشعر بأنه لا عقاب على تركه ويسمى مندوبا وإلى ما أشعر بأنه يعاقب على تركه ويسمى واجبا ثم ربما خص فريق اسم الواجب بما أشعر بالعقوبة عليه ظنا وما أشعر به قطعا خصوه باسم الفرض ثم لا مشاحة في الألفاظ بعد معرفة المعاني
وأما المرجح تركه فينقسم إلى ما أشعر بأنه لا عقاب على فعله ويسمى مكروها وقد يكون منه ما أشعر بعقاب على فعله في الدنيا كقوله صلى الله عليه وسلم "من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه" وإلى ما أشعر بعقاب في الآخرة على فعله وهو المسمى محظورا و حراما ومعصية