السرير وكما لا يمكن أن يتخذ من كل جسم سيف وسرير إذ لا يتأتى من الخشب قميص ولا من الثوب سيف ولا من السيف سرير فكذلك لا يمكن أن يتخذ من كل مقدمة برهان منتج بل البرهان المنتج لا ينصاغ إلا من مقدمات يقينية إن كان المطلوب يقينا أو ظنية إن كان المطلوب فقهيا
فلنذكر معنى اليقين في نفسه لتفهم ذاته ولنذكر مدركه لتفهم الآلة التي بها يقتنص اليقين
أما اليقين فشرحه أن النفس إذا أذعنت للتصديق بقضية من القضايا وسكنت إليها فلها ثلاثة أحوال
أحدها أن يتيقن ويقطع به وينضاف إليه قطع ثان وهو أن يقطع بأن قطعها به صحيح ويتيقن بأن يقينها فيه لا يمكن أن يكون به سهو ولا غلط ولا التباس فلا يجوز الغلط في يقينها الأول ولا في يقينها الثاني ويكون صحة يقينها الثاني كصحة يقينها الأول بل تكون مطمئنة آمنة من الخطأ بل حيث لو حكى لها عن نبي من الأنبياء أنه أقام معجزة وادعى ما يناقضها فلا تتوقف في تكذيب الناقل بل تقطع بأنه كاذب أو تقطع بأن القائل ليس بنبي وأن ما ظن من معجزة فهي مخرقة
وبالجملة فلا يؤثر هذا في تشكيكها بل تضحك من قائله وناقله وإن خطر ببالها إمكان أن يكون الله قد أطلع نبيا على سر به انكشف له نقيض اعتقادها فليس اعتقادها يقينا
مثاله: قولنا الثلاثة أقل من الستة وشخص واحد لا يكون في مكانين والشيء الواحد لا يكون قديما حادثا موجودا معدوما ساكنا متحركا في حالة واحدة
الحالة الثانية: أن تصدق بها تصديقا جزما لا تتمارى فيه ولا تشعر بنقيضها البتة ولو أشعرت بنقيضها تعسر إذعانها للإصغاء إليه ولكنها لو ثبتت وأصغت وحكى لها نقيض معتقدها عمن هو أعلم الناس عندها كنبي أو صديق أورث ذلك فيها توقفا
ولنسم هذا الجنس: اعتقادا جزما وهو أكثر اعتقادات عوام المسلمين