كتاب أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية (اسم الجزء: 1)
الأدلة من السنة النبوية:
ما وقع فعلاً من النبي - صلى الله عليه وسلم -، من العمل بالاجتهاد، في مواطن كثيرة، ثم ودَّ لو أنه عمل بطريق آخر. كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - في سوقه الهدي في حجة الوداع: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت" (١).
قال في تيسير التحرير: "أي لو علمت قبل سوق الهدي، ما علمته بعده من أمري، -يريد به ما ظهر عنده من المشقة عليه، وعلى من تبعه، في سوقه الهدي، الملزم دوام الإحرام إلى قضاء مناسك الحج- لما سقته، بل كنت أحرمت بالعمرة، ثم أحللت بعد أدائها، كما هو دأب المتمتع. فعُلِم أنه لم يسق بالوحي، وإلاّ لم يقل" (٢) اهـ.
أدلة المانعين:
١ - قالوا: يمتنع ذلك لقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحي يوحى} (٣) وما يؤدي إليه الاجتهاد ليس بوحي. فيلزم على إجازته الخلف في القرآن، وهو مستحيل.
ويجاب عن ذلك بأن سبب نزول الآية أن المشركين كانوا يزعمون إن القرآن افتراء من محمد - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت. فالمقصود بالوحي فيها القرآن خاصة.
ولو سلّم أنها تعم جميع ما قاله - صلى الله عليه وسلم - فما يؤدي إليه الاجتهاد، إن أقرّ عليه، هو وحي باطن كما قال الحنفية.
٢ - وقالوا: لو أُمر - صلى الله عليه وسلم - بالاجتهاد لم يؤخّر جواباً، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يؤخّر الجواب في بعض الوقائع حتى يأتيه الوحي، كما في قصة (٤) من سأله في عمرة
---------------
(١) صحيح البخاري ٣/ ٥٠٤، ٦٠٦
(٢) ٤/ ١٨٦
(٣) سورة النجم: آية ٣، ٤
(٤) تقدم ذكرها قريباً. أخرجها مسلم ٨/ ٧٨