الاستحباب باجتماع السببين، وقال: أحدهما كافٍ، فصرح الشيخ بإفراد السبب؛ دفعًا لتوهم غيره اجتماعهما في كلام الشافعي، لا لنفي ما عداهما؛ ولهذا قال البغوي في "التهذيب": (السواك مستحب في جميع الأحوال، وهو في حالتين أشد استحبابًا: عند القيام إلى الصلاة وإن لم يكن الفم متغيرًا، وعند تغير الفم وإن لم يرد الصلاة) انتهى (¬1).
ويمكن إدراج اصفرار الأسنان في قول "التنبيه" [ص 14] و"المنهاج" [ص 74]: (تغير الفم) لأنه أعم من تغير الرائحة واللون، لكن لا يمكن إدراجه في كلام "الحاوي" لتعبيره بتغير النكهة.
135 - قول "التنبيه" [ص 14]: (ويكره للصائم بعد الزوال) لا يستفاد منه نفي الكراهة في غير هذه الحالة، بخلاف قول "المنهاج" [ص 74]: (ولا يكره إلا للصائم بعد الزوال) فإن قلت: فيستفاد من عبارة "المنهاج" استحبابه مطلقًا .. قلت: لا؛ فإنه لا يلزم من نفي الكراهة إثبات الاستحباب، واختار النووي: عدم الكراهة مطلقًا (¬2)، واختاره قبله ابن عبد السلام وأبو شامة، ونقله الترمذي في "جامعه" عن الشافعي (¬3).
وذكر الماوردي: أن الشافعي لم يحد الكراهة بالزوال، وإنما ذكر العَشِيَّ، فحده الأصحاب بالزوال (¬4).
قال أبو شامة: (ولو حدوه بالعصر .. لكان أولى؛ لما في "سنن الدارقطني": عن أبي عمر كيسان القصاب، عن يزيد بن بلال مولاه، عن علي قال: (إِذَا صُمْتُمْ .. فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ ... ) الأثر (¬5)، وفي "سنن البيهقي": عن عطاء، عن أبي هريرة: (لَكَ السِّوَاكُ إِلىَ الْعَصْرِ فَإذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ .. فَأَلْقِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ") (¬6).
136 - قول "التنبيه" [ص 14]: (ويكتحل وترًا) أي: في كل عين ثلاثًا، وقيل: وترًا في الكل؛ ثلاثًا في اليمين ومرتين في اليسار، وكان الشيخ أحال معرفة العدد على المعهود؛ فإن الوتر أعم من ذلك، ولعله تبرك على عادته بلفظ الحديث، وهو: "مَنِ اكْتَحَلَ .. فَلْيُوتِرْ" (¬7).
¬__________
(¬1) التهذيب (1/ 215).
(¬2) انظر "المجموع" (1/ 338).
(¬3) جامع الترمذي (كتاب الصيام) باب (ما جاء في السواك للصائم) تحت حديث (725).
(¬4) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 467).
(¬5) سنن الدارقطني (2/ 204)، وانظر "المعجم الكبير" للطبراني (3696)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (8120).
(¬6) سنن البيهقي الكبرى (8122)، وانظر "سنن الدارقطني" (2/ 203).
(¬7) أخرجه أبو داوود (35)، وابن ماجه (3498)، والدارمي (662)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (693)، والطبراني في "مسند الشاميين" (481) من حديث سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.