كتاب جمع الوسائل في شرح الشمائل (اسم الجزء: 1)

أَخِلَّايَ إِنْ شَطَّ الْحَبِيبُ وَرَبْعُهُ ... وَعَزَّ تَلَاقِيهِ وَنَاءَتْ مَنَازِلُهُ
وَفَاتَكُمُ أَنْ تُبَصِرُوهُ بِعَيْنِكُمْ ... فَمَا فَاتَكُمْ بِالْعَيْنِ هَذِي شَمَائِلُهُ.
وَلِلْأَدِيبِ مُحْيِي الدِّينِ عَبْدِ الْقَادِرِ الزَّرْكَشِيِّ مُضَمِّنًا لِعَجُزَيْ بَيْتَيْنِ مِنْ قَصِيدَةِ الْبَهَاءِ زُهَيْرٍ وَكَتَبَهَا عَلَى الشَّمَائِلِ:
يَا أَشْرَفَ مُرْسَلًا كِرِيمًا ... مَا أَلْطَفَ هَذِي الشَّمَايِلْ
مَنْ يَسْمَعْ وَصْفَهَا تَرَاهُ ... كَالْغُصْنِ مَعَ النَّسِيمِ مَايِلْ.
وَلِبَعْضِهِمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
يَا عَيْنُ إِنْ بَعُدَ الْحَبِيبُ وَدَارُهُ ... وَنَأَتْ مَرَابِعُهُ وَشَطَّ مَزَارُهْ
فَلَقَدْ ظَفِرْتِ مِنَ الْحَبِيبِ بِطَائِلٍ ... إِنْ لَمْ تَرِيهِ فَهَذِهِ آثَارُهْ.
رَزَقَنَا اللَّهُ طُلُوعَ حَضَرْتِهِ وَحُضُورَ طَلْعَتِهِ الشَّرِيفَةِ عِنْدَ رَوْضَتِهِ الْمُنِيفَةِ وَحُصُولَ صُورَتِهِ الْكَرِيمَةِ مَنَامًا وَكَشْفًا فِي الدُّنْيَا، وَوُصُولَ رُؤْيَتِهِ الْحَقِيقَةَ فِي الْعُقْبَى مُنْضَمَّةً إِلَى رُؤْيَةِ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الْأَعْلَى وَالطَّرِيقِ الْأَغْلَى، أَحْبَبْتُ أَنْ أَدْخُلَ فِي زُمْرَةِ الْخَادِمِينَ بِشَرْحِ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَأَنْ أَسْلُكَ فِي سِلْكِ الْمَخْدُومِينَ بِهَذَا الْبَابِ ; رَجَاءَ دَعْوَةٍ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ تُسْتَجَابُ، وَسَمَّيْتُهُ. (جَمْعُ الْوَسَائِلِ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ) : فَأَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَبِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ تَمَامُ التَّحْقِيقِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ مُسْتَعِينًا بِذِكْرِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ، مُقَدَّمًا عَلَى كُلِّ مَقَالٍ كَمَا هُوَ دَأْبُ أَرْبَابِ الْكَمَالِ.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) : أَيْ بِاسْتِعَانَةِ اسْمِ الْمَعْبُودِ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الْمُبْدِعِ لِلْعَالَمِ الْمُحَقِّقِ أُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابَ إِجْمَالًا وَأُؤَلِّفُ بَيْنَ كُلِّ بَابٍ وَبَابٍ تَفْصِيلًا وَفِي تَأْخِيرِ الْمُتَعَلِّقِ إِيمَاءً لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ وَإِشْعَارٍ بِاسْتِحْقَاقِ تَقْدِيمِ ذِكْرِ اسْمِهِ الْخَاصِّ لَا سِيَّمَا وَمَا هُوَ السَّابِقُ فِي الْوُجُودِ وَالْفِكْرِ يَسْتَحِقُّ السَّبْقَ فِي الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا إِلَّا وَرَأَيْتُ اللَّهَ قَبْلَهُ وَهُوَ أَعْلَى مَرْتَبَةً وَأَغْلَى مَقَامًا مِمَّنْ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا إِلَّا وَرَأَيْتُ اللَّهَ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، وَفِي نَظَرِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ هُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ (وَاللَّهُ) : اسْمُ لِذَاتِ الْحَقِّ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ بِالصِّفَاتِ، وَلَا بِاعْتِبَارِ لَا اتِّصَافِهِ ; وَلِذَا قِيلَ إِنْ كُلَّ اسْمٍ لِلتَّخَلُّقِ إِلَّا اللَّهَ فَإِنَّهُ لِلتَّعَلُّقِ، وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَتَمِّ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ لِتَأْثِيرِهِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُ. وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ سِوَاهُ.
(وَالرَّحْمَنُ) : هُوَ الْمُفِيضُ لِلْوُجُودِ وَالْكَمَالِ عَلَى الْكُلِّ بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ وَتَحْتَمِلُ الْقَوَابِلُ عَلَى وَجْهِ الْبِدَايَةِ.
(وَالرَّحِيمُ) : هُوَ الْمُفِيضُ لِلْكَمَالِ الْمَعْنَوِيِّ الْمَخْصُوصِ بِالنَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ بِحَسَبِ النِّهَايَةِ، وَفَائِدَةُ لَفْظِ الِاسْمِ بَقَاءُ هَيَاكِلِ الْخَلْقِ بِتَعَلُّقِ الرَّسْمِ إِذْ لَوْ قِيلَ بِاللَّهِ لَذَابَ تَحْتَ حَقِيقَةِ الْحَقِّ جَمِيعُ الْخَلْقِ، وَمَعَ هَذَا لَمَّا قَدَّمَ لَفْظَ اللَّهِ اضْمَحَلَّتِ الْعُقُولُ فِي ابْتِدَاءِ عَظَمَتِهِ وَتَلَاشَتِ الْأَرْوَاحُ فِي بِحَارِ أُلُوهِيَّتِهِ فَأَتْبَعَهُ بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِيُسَلِّيَ قُلُوبَ الْمُوَحِّدِينَ وَيَشْفِيَ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الصِّفَتَيْنِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ فِي النَّشْأَتَيْنِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ ".
ثُمَّ لَمَّا شَاهَدَ الْمُصَنِّفُ الْمُنْعِمَ الْحَقِيقِيَّ وَرَأَى فِي ضِمْنِ الْوَصْفَيْنِ عُمُومَ الْإِنْعَامِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ أَرْدَفَ
الْبَسْمَلَةَ بِالْحَمْدَلَةِ فَقَالَ. (الْحَمْدُ لِلَّهِ) :، وَإِيثَارُهُ عَلَى الشُّكْرِ لِيَعُمَّ النِّعْمَةَ وَغَيْرَهَا، مَعَ أَنَّ غَيْرَهَا لَيْسَ غَيْرَهَا فَلَيْسَ فِي الْكَوْنِ غَيْرُ الْمُنْعِمِ وَنِعَمِهِ ; وَلِذَا وَرَدَ: الْحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ، مَا شَكَرَ اللَّهَ مَنْ لَمْ يَحْمَدْهُ، وَالْحَمْدَلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفَظًا وَإِنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى وَاللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ بَلِ الْحَقِيقِيِّ أَيْ كُلُّ حَمْدٍ صَدَرَ مِنْ كُلِّ حَامِدٍ فَهُوَ مُخْتَصٌّ وَمُسْتَحِقٌّ لَهُ تَعَالَى حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ قَدْ يُوجَدُ لِغَيْرِهِ صُورَةٌ بَلِ الْمَصْدَرُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ مِنَ الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّةِ فَهُوَ الْحَامِدُ وَهُوَ الْمَحْمُودُ سِوَى اللَّهِ، وَاللَّهُ مَا فِي الْوُجُودِ وَوَجْهُ تَخْصِيصِ اسْمِ الذَّاتِ دُونَ سَائِرِ الصِّفَاتِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ بِذَاتِهِ مَعَ قَطْعِ

الصفحة 3