كتاب جمع الوسائل في شرح الشمائل (اسم الجزء: 1)

النَّظَرِ عَنْ صِفَاتِهِ وَمُلَاحَظَةِ نُعُوتِهِ وَبَرَكَاتِهِ فَسَوَاءٌ حُمِدَ أَوْ لَمْ يُحْمَدْ وَعُبِدَ أَوْ لَمْ يُعْبَدْ لَهُ الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ بِوُجُودِ الْخَلْقِ وَعَدَمِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ وَحَمْدِهِمْ وَتَرْكِهِمْ وَجُهْدِهِمْ وَعَمَلِهِمْ وَجَهْلِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ وَجَحْدِهِمْ فَإِنَّ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْمَوْجُودَاتِ إِنَّمَا هُمْ مَظَاهِرُ الصِّفَاتِ فَبَعْضُهُمْ مَرَائِي النُّعُوتِ الْجَمَالِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ مَجَالِي الْأَوْصَافِ الْجَلَالِيَّةِ، فَمَنْ عَبَدَهُ أَوْ حَمِدَهُ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِأَغْرَاضِ حَقِّهِ وَتَعَلُّقَاتِهِ فَلَيْسَ بِعَابِدٍ وَحَامِدٍ بَلْ وَلَا مُؤْمِنٍ مُوَحِّدٍ.
(وَسَلَامٌ) : أَيُ تَسْلِيمٌ عَظِيمٌ مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ أَوْ سَلَامٌ كَثِيرٌ مِنَّا أَوْ ثَنَاءٌ حَسَنٌ مِنْ جَانِبِنَا.
(عَلَى عِبَادِهِ) : الْمُخْتَصِّينَ بِشَرَفِ الْعِبَادَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ الْقَائِمِينَ بِوَظَائِفِ الْعَبْدِيَّةِ عَلَى مُقْتَضَى أَحْكَامِ الرُّبُوبِيَّةِ الْوَاصِلِينَ إِلَى مَرْتَبَةِ الْعِنْدِيَّةِ لَا مِنْ عِنْدِهِمْ بَلْ بِمُوجَبِ مَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الصِّفَاتِ الِاصْطِفَائِيَّةِ.
(الَّذِينَ اصْطَفَى) : أَيْ هُمُ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ وَاجْتَبَاهُمْ وَارْتَضَاهُمْ وَصَفَّاهُمْ عَمَّا كَدَّرَ بِهِ سِوَاهُمْ، وَهُمُ الرُّسُلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمِنَ النَّاسِ وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَجَمِيعُ أَتْبَاعِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ الْأَصْفِيَاءِ، فَدَخَلَ الْمُصْطَفَى وَآلُ الْمُرْتَضَى وَصَحْبُهُ الْمُجْتَبِي فِيهِمْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا فَلَا وَجْهَ لِمَنْ ذَكَرَ هُنَا كَلَامًا اعْتِرَاضِيًّا مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إِنَّمَا أَتَى بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِلُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْمُرَادِ بِالْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) : أَوِ ابْتِدَاءً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ خِطَابُ الْعَامِّ ; فَفِيهِ اقْتِبَاسٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، وَتَضَمُّنٌ لِمَعْنَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سُبْحَانَكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ".
وَهَاهُنَا مَبَاحِثُ صَدَرَتْ مِنَ الشُّرَّاحِ بَعْضُهَا ضِعَافٌ وَبَعْضُهَا صِحَاحٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا وَتَقْرِيرِهَا وَتَوْضِيحِهَا وَتَحْرِيرِهَا ; مِنْهَا قَوْلُ
بَعْضِهِمْ: مَعْنَاهُ السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ وَالْآلَامِ الوَاقِعَةِ عَلَى عِبَادِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا فِي الصَّحِيحِ: " أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ "، وَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمُشَاهَدِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: لَا خَفَاءَ فِي حُسْنِ تَنْكِيرِ السَّلَامِ عَلَى الْعِبَادِ الْمُنْبِئِ عَلَى التَّحْقِيرِ فِي مُقَابَلَةِ تَعْرِيفِ الْحَمْدِ لِلَّهِ الْكَبِيرِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى فَسَادُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى الْفَطِنِ بِالْمَرَامِ ; لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ تَحْقِيرَ الْعِبَادِ فَهُوَ كَلَامٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَنِهَايَةِ الِاسْتِبْعَادِ، وَإِنْ أَرَادَ تَحْقِيرَ السَّلَامِ فَلَا مَعْنَى لَهُ فِي الْمَقَامِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ السَّلَامَ أَدْنَى رُتْبَةً مِنَ الْحَمْدِ فَالتَّنْكِيرُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالْجَهْدِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: مَنْ كَرِهَ إِفْرَادَ السَّلَامِ عَنِ الصَّلَاةِ، حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى أَنَّهَا

الصفحة 4