كتاب نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب ت إحسان عباس (اسم الجزء: 1)
وقال السلطان يعقوب المنصور (1) ابن السلطان يوسف ابن السلطان عبد المؤمن بن علي لأحد رؤساء أجنادها: ما تقول في قرطبة؟ فخاطبه على ما يقتضيه كلام عامّة الأندلس بقوله: جوفها شمام، وغريبها قمام، وقبلتها مدام، والجنّة هي والسلام.
يعني بالشّمام جبال الورد، ويعني بالقمام ما يؤكل إشارةً إلى محرث الكنبانيّة (2) ، ويعني بالمدام النهر.
ولما قال والده السلطان يوسف بن عبد المؤمن لأبي عمران موسى بن سعيد العنسي (3) : ما عندك في قرطبة؟ قال له: ما كان لي أن أتكلّم حتى أسمع مذهب أمير المؤمنين فيها، فقال السلطان: إن ملوك بين أمية حين اتخذوها حضرة مملكتهم لعلى بصيرةٍ، الديار المنفسحة الكثيرة (4) ، والشوارع المتسعة، والمباني الضخمة المشيدة، والنهر الجاري، والهواء المعتدل، والخارج الناضر، والمحرث العظيم، والشّعراء الكافية، والتوسط بين شرق الأندلس وغربها، قال: فقلت: ما أبقى لي أمير المؤمنين ما أقول.
قال ابن سعيد: ولأهلها رياسة ووقار، لا تزال سمة العلم والملك متوارثةً فيهم. إلا أن عامّتها أكثر الناس فضولاً، وأشدّهم تشغيباً، ويُضرب
__________
(1) السلطان يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن (580 - 595) من أعاظم خلفاء الموحدين، كان جواداً شجاعاً كريماً عالماً. (انظر له ترجمة في وفيات الأعيان 6: 4 وروض القرطاس: 160 (ط. فاس) وأخباره في المعجب والبيان المغرب وغيرهما من المصادر التاريخية) .
(2) الكنبانية: قال فيها ياقوت: ناحية بالأندلس قرب قرطبة، وهذا تعريف قاصر، فإن الكنبانية هي الأراضي السهلة الزراعية أينما كانت، وقد ذكر ابن الخطيب الكنبانية في الحديث عن غرناطة (1: 102) وأصلها من الكلمة اللاتينية (Campania) أي الحقل أو المحرث كما يسميها الأندلسيون، وتكتب أحياناً بالقاف. (انظر ملحق دوزي: قنبانية) .
(3) السلطان يوسف بن عبد المؤمن (558 - 580) ثاني خلفاء الموحدين؛ أما موسى بن سعيد فهو والد علي صاحب المغرب، كان شغوفاً بالتاريخ وولي للموحدين بعض الأعمال وتوفي بالإسكندرية (573) . راجع 2: 170.
(4) ك: الكبيرة.