كتاب نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب ت إحسان عباس (اسم الجزء: 1)

بهم المثل ما بين أهل (1) الأندلس في القيام على الملوك، والتشنيع على الولاة، وقلة الرضا بأمورهم، حتى إن السيد أبا يحيى أخا السلطان يعقوب المنصور قيل له لما انفصل عن ولايتها: كيف وجدت أهل قرطبة؟ فقال: مثل الجمل، إن خففت عنه الحمل صاح، وإن أثقلته صاح، ما ندري أين رضاهم فنقصده، ولا أين سخطهم فنجتنبه، وما سلط الله عليهم حجّاج الفتنة حتى كان عامتها شرّاً من عامة العراق، وإن العزل عنها لما قاسيته من أهلها عندي ولاية، وإنّي إن كلّفت العود إليها لقائل: لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين، انتهى.
وقال أبو الفضل التيفاشي: جرت مناظرة بين يدي ملك المغرب المنصور يعقوب بين الفقيه أبي الوليد بين رشد والرئيس أبي بكر بن زهر، فقال ابن رشد لابن زهر في تفضيل قرطبة: ما أدري ما تقول، غير أنّه إذا مات عالمٌ بإشبيلية فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة حتى تباع فيها، وإن مات مطربٌ بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت إلى إشبيلية، قال: وقرطبة أكثر بلاد الله كتباً، انتهى.
وحكى الإمام ابن بشكوال عن الشيخ أبي بكر بن سعادة أنه دخل مدينة طليطلة مع أخيه على الشيخ الأستاذ أبي بكر المخزومي، قال: فسألنا: من أين؟ فقلنا: من قرطبة، فقال: متى عهدكما بها؟ فقلنا: الآن وصلنا منها، فقال: اقربا إليّ أشمّ نسيم قرطبة، فقربنا منه، فشمّ رأسي وقبّله، وقال لي: اكتب:
أقرطبة الغرّاء هل لي أوبةٌ ... إليك؟ وهل يدنو لنا ذلك العهد
سقى الجانب الغربيّ منك غمامةٌ ... وقعقع في ساحات دوحاتك الرعد
لياليك أسحارٌ، وأرضك روضةٌ ... وتربك في استنشاقها عنبرٌ ورد وكتب الرئيس الكاتب أبو بكر بن القبطرنة للعالم أبي الحسين بن سراج بقوله (2) :
__________
(1) أهل: زيادة من ك.
(2) ابو بكر بن القبطرنة (ويكتب أيضاً القبطورنة) أحد ثلاثة إخوة يعرفون ببني القبطورنة، والاسم من (Cap - tomo) (أي الرأس المستدير) وأبو بكر منهم هو عبد العزيز بن سعيد بن عبد العزيز البلطليوسي كان كاتباً للمتوكل ابن الأفطس صاحب بطليوس (وتوفي سنة 520هـ؟) وقد ترجم له ولأخويه ابن بسام (الذخيرة القسم الثاني: 289) والمغرب 1: 367 والقلائد: 148 والمطرب: 186 والإحاطة 1: 528، وسيرد له ذكر في النفح؛ وهذه الأبيات الواردة هنا في الذخيرة: 293 والقلائد 152. أما أبو الحسين بن سراج فهو سراج بن عبد الملك ابن سراج كان والده من علماء اللغة في عصره، ونشأ ابنه كذلك بقرطبة. (انظر ترجمته في الذخيرة 1 - 2: 319 والقلائد: 116 والمغرب 1: 116 والديباج المذهب: 126 وبغية الوعاة: 251) .

الصفحة 155