كتاب شرح مشكل الوسيط (اسم الجزء: 1)

يدركه الطرف: إما لقلته، وإما لاتفاق اللون، وليس كذلك، فإنه لا يخفى أن الخلاف من أصله إنما هو فيما لا يدركه الطرف لقلته، لا لاتفاق اللون، وقد صرح في الدرس بتصوير أصل المسألة فيما لا يدركه الطرف لقلته (¬1).
فأقول: ليس ما ذكره طريقة أخرى، وحاصله أنه اختار مما سبق ذكره من الخلاف القول بالعفو في الماء والثوب (¬2)، ولم يحقق صورة المسألة من الابتداء فذكر ذلك عند ذكره ما هو المختار عنده، وأعاد ذكر القسم الآخر الذي لا يعفى عنه وهو ما يدركه الطرف؛ من أجل أنه الآن حقَّق صورة المسألة، فاعلم ذلك (¬3)، والله أعلم.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا" (¬4) رواه ابن عمر - رضي الله عنهما -، وفي رواية قوية أخرجها أبو داود (¬5) وغيره (¬6) "فإنه لا ينجس" وهذا
¬__________
(¬1) كذا ذكره في الوسيط 1/ 322.
(¬2) قال الغزالي في الماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسة: "أما القليل فينجس وإن لم يتغير مهما وقعت فيه نجاسة يدركها الطرف، فإن كان لا يدركها فنص الشافعي - رضي الله عنه - فيه مختلف: فمنهم من قال: قولان: أحدهما: أنه يجتنب في الماء والثوب؛ لتحقق وصول النجاسة والثاني: أنه يعفى عنه؛ لتعذر الاحتراز منه. ومنهم من قال: يعفى عنه في الماء ولا يعفى عنه في الثوب ... وهو الأصح". الوسيط (1/ 322).
(¬3) انظر: التنقيح (ل 23/ أ - ب)، المطلب العالي (1/ ل 64/ أ).
(¬4) الوسيط (1/ 323) حيث قال الغزالي: "قال مالك: الماء لا ينجسه شيء إلا ما غيَّر طعمه أو لونه أو ريحه. وفرق الشافعي - رضي الله عنه - بين القليل والكثير؛ لقوله - عليه السلام -: إذا بلغ الماء قلتي ... الحديث".
(¬5) في سننه كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء 1/ 52 رقم (65).
(¬6) أخرجها كذلك أحمد في المسند 2/ 107، والبيهقي في السنن الكبرى, كتاب الطهارة (1/ 396) رقم (1243)، وأخرجها ابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 172) رقم (517) بلفظ: "لا ينجسه شيء"، وابن حبان في صحيحه - انظر الإحسان 4/ 57 رقم (1249) -، والدارقطني في السنن (1/ 29 - 30)، والحاكم في المستدرك (1/ 132).

الصفحة 63