كتاب سلم الوصول إلى طبقات الفحول (اسم الجزء: مقدمة)

وقد أوجز كاتب جلبي تصويره المؤلم لتلك العودة بقوله: "لم تكن المشقة التي عاناها عساكر الإسلام في هذا الطريق شيئًا حدث في التاريخ من قبل"، ولما بلغوا مدينة الموصل توفي والده في شهر ذي القعدة عام 1035 هـ (أغسطس- سبتمبر 1626 م)، ودفن هناك في مقبرة الجامع الكبير. ولم يمض شهر آخر حتى توفي عمه عند موضع (جَرّاحْلو) بالقرب من نصيبين. وعلى هذا رجع كاتب جلبي إلى ديار بكر مع أحد أقربائه، ومكث هناك مدة. وقام أحد زملاء والده ويدعى أحمد خليفة بتعيينه مساعدًا في "قلم مقابلة السواري". (¬14)
وفي عام 1037 هـ (1627 - 1628 م) عاد إلى إستانبول، وراح يواظب على دروس قاضي زاده منلا قاسم (ت 899 هـ / 1494 م). ثم شارك بعد ذلك في حصار مدينة أرضروم، وبعد الحصار الذي دام سبعين يومًا بلا طائل لقي مع غيره عناءً كبيرًا في الطريق إلى توقاد، فقد تجمدت أيادي وأرجل الغالبية من شدة البرد وبترت بعضها، ومات من مات، وتعرض هو خلال تلك الكارثة للكثير من المحن والآلام "التي لم تحدث من قبل".
وفي عام 1038 ص (1628 - 1629 م) حضر مدة إلى إستانبول، وراح يواظب على دروس قاضي زاده منلا قاسم (ت 899 هـ / 1494 م)، وتأثر به كثيرًا، فقد كان الرجل عالمًا طلق اللسان عظيم التأثير في نفوس سامعيه، يحضهم على طلب العلم والتخلص من الجهل، فجعله يتعلق به" وجذبه إلى طريق الشغل وتحصيل العلم جذبة وأي جذبة". وبدأ يتذاكر معه العلوم العالية التي درسها من قبل، وظل مداومًا على دروسه ووعظه حتى خرج للحرب مرة أخرى مع خسرو باشا (¬15). وفي عام 1039 هـ (1629 - 1630 م) كان في حاشية خسرو باشا مشاركًا إياه في حملتي همدان وبغداد، وقد رَوَى فيما بعد ما تعرضوا له أثناء تلك الحرب، وأشار إلى المدن والمواقع التي استولوا عليها، مثل قلعة كلعنبر وحسن آباد وهمدان وبستون وغيرها، وذلك في كتابه الكبير في الجغرافيا المعروف باسم (جهاننما) (¬16) وفي كتابه (فذلكه) (¬17). وعقب حرب همدان في عام 1040 هـ (1630 - 1631 م) رافق الجيش عندما نزل به خسرو باشا إلى بغداد.
ويذكر كاتب جلبي حصار الجيش العثماني لبغداد الذي بدأ في 22 صفر 1040 هـ (30 سبتمبر 1630 م) في كتابه (فذلكه)، فيقول إنه بسبب الأمر الصادر خلافًا للقاعدة العامة جاء
¬__________
(¬14) هو أحد أقلام الديوان الهمايوني، وكانت مهمته مسك دفاتر جنود سواري القبوقولية، وتنظيم تذاكر علوفاتهم ورواتبهم.
(¬15) ميزان الحق، ص 130.
(¬16) نشر إبراهيم متفرقة، ص 300، 303، 302.
(¬17) فذلكة، 2/ 118 وما بعدها.

الصفحة 14