كتاب سلم الوصول إلى طبقات الفحول (اسم الجزء: مقدمة)

والفضل (¬20)، فقد وجد في ذلك الرجل عِلْمًا وفيضًا يزيد عما وجده لدى كل العلماء الذين حضر دروسهم من قبل، فاتخذه أستاذًا له. كما أبدى الأستاذ أيضًا اهتمامًا بكاتب جلبي يزيد عن اهتمامه بباقي طلابه. وقد قرأ على هذا الأستاذ الأندلسية في العروض، وهداية الحكمة (حتى نهاية الباب الرابع)، والملخص في علم الهيئة، وأشكال التأسيس في علم الهندسة مع شرحه (¬21).
وفي عام 1049 هـ (1639 - 1640 م) واظب على سماع دروس الشيخ كُرْد عبد الله واعظ جامع آياصوفيا، وانتقل في العام التالي إلى سماع دروس الشيخ كجه جي محمد أفندي واعظ جامع السليمانية.
أما في عام 1052 هـ (1642 - 1643 م) فقد قرأ على الواعظ ولي أفندي نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني، وبدأ يسمع دروسه في النخبة أيضًا والألفية. واستطاع في عامين أن يكمل أصول الحديث. ولأن هذا الواعظ كان قد أخذ هذا الفنّ عن الشيخ إبراهيم اللقاني في مصر، فإن كاتب جلبي كان يعد نفسه تلميذًا للأخير بالواسطة. كما قرأ كتاب تلخيص المفتاح على المولى ولي الدين تلميذ المولى أحمد حيدر السُّهْرَاني ومفتي أَرْمَنَاك، وقرأ كتاب الفرائض للإمام سراج الدين محمد وشمسية كاتبي في المنطق.
والتقى عدة مرات بالشيخ المصري سري الدين الرضا الذي جاء إلى إستانبول عام 1057 هـ (1647 م) وسمع بعض دروسه. وظل كاتب جلبي قدر عشر سنوات منكبًا ليل نهار على القراءة والبحث، وقد ينسى نفسه أحيانًا مع كتاب، ويظل الشمع مشتعلًا في غرفته من مغيب الشمس إلى مطلعها، فلا يكل ولا يمل أبدًا. وكان يتردد عليه في تلك الآونة بعض الطلاب ليتعلموا على يديه.
واستطاع في عام 1055 هـ (1645 - 1646 م) أن يشهد بنفسه بمناسبة حملة الجيش العثماني على جزيرة كريت كيف يجري إعداد الخرائط ورسْمها، ورأى الكتب المؤلفة في ذلك الموضوع، واطلع على كافة الخرائط. وفي تلك الأثناء حصلت قطيعة بينه وبين كبير موظفي قلم المقابلة (باش خليفه)، لأنه قال له "إن العادة الجارية عند السلف هي تبديل النوبة على خلافة هذا القلم كل عشرين سنة، فهل النوبة لم تأت بعد علينا بحسب أصول الطريق"، فلما رد عليه "الباش خليفة" بأن النوبة "مدى الحياة"، بادر هو بطلب الاستعفاء. وعاش نحو ثلاث سنوات منزويًا بعيدًا عن الحياة الوظيفية، وكان يدرس عليه في تلك الأثناء عدد من
¬__________
(¬20) انظر: فذلكه، 2/ 392
(¬21) انظر: جامع المتون، طوب قابي سراي، امانت خزينه سى، رقم 1763، 5 أ.

الصفحة 16