كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 1)

264 أصله من اليمن، ثم انتقل أبوه منها إلى بلاد الرّوم فسكنها، و ولد صاحب الترجمة بها، و نشأ بمدينة بروسة.
و كان يقال له عرب زاده، على عادة الرّوم و التّرك 1 فى بلادهم، لمن يكون أصله عربيّا و لو ولد ببلادهم، و نشأ بها 1.
و كانت نشأته حسنة، على قدم جيّد.
ثم قدم القاهرة و هو شابّ، و نزل بقاعة الشيخونيّة، و قرأ على إمامها خير الدّين سليمان ابن عبد اللّه، و غيره، و نسخ بالأجرة مدّة، و اشتغل. /
ثم انقطع عن الناس، فلم يكن يجتمع بأحد، بل اختار العزلة، مع المواظبة على الجمعة و الجماعات، و يبكّر إلى الجمعة بعد اغتساله لها بالماء البارد صيفا و شتاء، و لا يكلّم أحدا فى ذهابه و إيابه، و لا يجترئ أحد على الكلام معه، لهيبته و وقاره، و توّرع جدّا، بحيث إنه لم يكن يقبل من أحد شيئا، و متى اطّلع على أن أحدا من الباعة حاباه؛ لكونه عرفه لم يعد إليه؛ و للخوف من ذلك كان يتنكّر و يشترى بعد العشاء الآخرة قوت يومين أو ثلاثة، و أقام على هذه الطّريقة أكثر من ثلاثين سنة، و كراماته كثيرة، و لم يكن فى عصره من يدانيه فى طريقته.
قال العينىّ: و ثبت بالتّواتر أنه أقام أكثر من عشرين سنة لا يشرب الماء أصلا، و كان يقضى أيّامه بالصّيام، و لياليه بالقيام.
مات فى ليلة الأربعاء، ثانى شهر ربيع الأوّل، سنة ثلاثين و ثمانمائة، و صلّى عليه العينىّ، و كان الجمع فى جنازته موفورا، مع أن أكثر الناس كان لا يعرفه، و لا يعلم بسيرته، فلما تسامعوا بموته هرعوا إليه، و نزل السّلطان من القلعة، فصلّى عليه بالرّميلة، و أعيد إلى الخانقاه، فدفن بجوار الشيخ أكمل الدّين، و حمل نعشه على الأصابع، و تنافس الناس فى شراء ثياب بدنه، و اشتروها بأغلى الأثمان، فاتّفق أنه حسب ما اجتمع من ثمنها، فكان قدر ما تناوله من المعلوم من أوّل ما نزل بالخانقاه، و إلى أن مات، لا يزيد و لا ينقص، و عدّ هذا من كراماته، رحمه اللّه تعالى.

1 - 1) فى ص: «تسمية من لم يكن منهم عربيا، و لو ولد ببلادهم و نشأ بها»، و المثبت فى: ط، ن.

الصفحة 264