كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 1)

274 الشّراء، و عادت تشكر جدّى، و انقلب ذلك أمرا جميلا عندهم، فقال جدّى بعد ذلك: من قدّم أمر اللّه على أمر المخلوق كفاه اللّه شرّهم.
و حدّث القاضى أبو نصر يوسف بن عمر بن القاضى أبى عمر محمد بن يوسف، قال:
كنت أحضر/دار المقتدر، و أنا غلام حدث بالسّواد، مع أبى أبى الحسين، و هو يومئذ يخلف أباه أبا عمر، و كنت أرى فى بعض المواكب أبا جعفر القاضى يحضر بالسّواد، فإذا رآه أبى عدل إلى موضعه، فجلس عنده، فيتذاكران بالشّعر و الأدب و العلم، حتى يجتمع عليهما من الخدم عدد كثير، كما يجتمع على القصّاص، استحسانا لما يجرى بينهما؛ فسمعته يوما قد أنشد بيتا، لا أذكره الآن، فقال له أبى: أيها القاضى، إنّى أحفظ هذا البيت بخلاف هذه الرواية.
فصاح عليه أبو جعفر صيحة عظيمة، و قال، اسكت ألى تقول هذا، و أنا أحفظ لنفسى من شعرى خمسة عشر ألف بيت، و أحفظ للناس أضعاف ذلك و أضعافها. يكّررها مرارا.
و حدّث القاضى أبو طالب محمّد بن القاضى أبى جعفر بن البهلول، قال: كنت مع أبى فى جنازة بعض أهل بغداد من الوجوه، و إلى جانبه جالس أبو جعفر الطّبرىّ، فأخذ أبى يعظ صاحب المصيبة، و يسلّيه، و ينشده أشعارا، و يروى له أخبارا، فداخله الطّبرىّ فى ذلك، ثم اتّسع الأمر بينهما فى المذاكرة، و خرجا إلى فنون كثيرة من الأدب، و العلم، استحسنها الحاضرون، و عجبوا منها، و تعالى النّهار، و افترقنا.
فلما جعلت أسير خلفه، قال لى أبى: يا بنىّ، هذا الشيخ الذى داخلنا اليوم فى المذاكرة من هو، أتعرفه؟
فقلت: يا سيّدى، كأنك لم تعرفه!
فقال: لا.
فقلت: هذا أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبرىّ.
فقال: إنا للّه، ما أحسنت عشرتى يا بنىّ.
فقلت: كيف يا سيّدى؟.

الصفحة 274