كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 1)

275 قال: ألا قلت لى فى الحال، فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة، هذا رجل مشهور بالحفظ، و الاتّساع فى صنوف العلوم، و ما ذاكرته بحسبها.
قال: و مضت على هذا مدّة، فحضرنا فى جنازة أخرى، و جلسنا، فإذا بالطّبرىّ قد أقبل، فقلت له قليلا قليلا: هذا أبو جعفر الطّبرىّ قد جاء مقبلا.
قال: فأوما إليه بالجلوس عنده، فأوسعت له حتى جلس إلى جنبه، و أخذ أبى يحادثه، فلما جاء إلى قصيدة ذكر الطّبرىّ منها أبياتا، قال أبى: هاتها يا أبا جعفر إلى آخرها.
فيتلعثم الطّبرىّ، فينشدها أبى إلى آخرها.
و كلّما ذكر أشياء من السّير، قال أبى: كان هذا فى قصّة فلان، و يوم بنى فلان، مرّيا أبا جعفر فيه.
فربمّا مرّ، و ربمّا تلعثم، فيمرّ أبى فى جميعه.
قال: فما سكت أبى يومه ذلك إلى الظهر، و بان للحاضرين تقصير الطّبرىّ عنه، ثم قمنا، فقال لى أبى: الآن شفيت صدرى.
و عن أبى بكر ابن الأنبارىّ، أنه كان يقول: ما رأيت صاحب طيلسان أنحى من القاضى أبى جعفر ابن البهلول.
و كانت وفاته فى شهر ربيع الآخر، من سنة ثمان عشرة و ثلاثمائة، بعد أن أريد إلى العود إلى منصب القضاء فامتنع، و قال: أحبّ أن يكون بين الصّرف و القبر فرجة.
قيل له 1: فابذل شيئا، حتى يردّ العمل إلى ابنك.
فقال: ما كنت لأتحمّلها حيّا و ميّتا.
و قال فى ذلك 2:

تركت القضاء لأهل القضاء
و أقبلت أسمو إلى الآخره

1) زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
2) الأبيات فى: بغية الوعاة 1/ 296، معجم الأدباء 2/ 156.

الصفحة 275