كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 1)

282 و عرض عليه قضاء العسكر، فقبله، و باشره أحسن مباشرة، و قرّب أهل الفضل، و أبعد أهل الجهل.
ثم إنّ السّلطان عزله، و أعطاه قضاء بروسة، و ولاية الأوقاف بها، فلم يزل بها ينفّذ الأحكام، و يعدل بين الأخصام، إلى أن ورد عليه مرسوم مخالف للشّرع الشريف، فحرقه، و عزّر من هو بيده.
فلما بلغ السّلطان ذلك عزله عن القضاء، و وقع بينهما بسبب ذلك منافرة و وحشة.
فرحل الكورانىّ إلى الدّيار المصريّة، و كان سلطانها إذ ذاك الملك الأشرف قايتباى، فأكرمه غاية الإكرام، و أقبل عليه الإقبال التامّ، و أقام عنده مدّة، و هو على نهاية من الإجلال و التّعظيم.
ثم إنّ السّلطان محمّدا ندم على ما فعل، و أرسل إلى قايتباى، يلتمس منه إرساله إليه، فذكر ذلك للكورانىّ، ثم قال له: لا تذهب إليه؛ فإنّى أكرمك فوق ما يكرمك.
فقال له الكورانىّ: نعم أعرف ذلك، إلاّ أن بينى و بينه محبّة أكيدة، كما بين الوالد و الولد، و ما وقع بيننا من التّنافر لا يزيلها، و هو يعرف أنّى أميل إليه بالطّبع، فإذا امتنعت من الذهاب إليه، لا يفهم إلاّ أن المنع كان من جانبك، فتقع بينكما عداوة.
فاستحسن السّلطان قايتباى منه ذلك، و أهّب له ما يحتاج إليه فى السّفر، و وهبه مالا جزيلا، و أرسل معه بهدايا عظيمة إلى السّلطان محمّد خان.
فلما وصل إليه أكرمه فوق العّادة، و فوّض إليه قضاء بروسة، فأقام به مدّة.
ثم فوّض إليه منصب الفتوى بالدّيار الرّوميّة، و عيّن له كل يوم مائتى درهم، و كلّ شهر عشرين ألف درهم، و كلّ سنة خمسين ألف درهم، سوى ما كان يتفقّده به من الهدايا و التّحف، و العبيد و الجوارى.
و عاش فى كنف حمايته فى نعم وافرة، و إدرارات متكاثرة.
و صنّف هناك «تفسير القرآن الكريم»، و سمّاه «غاية الأمانى فى تفسير السّبع

الصفحة 282