كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 1)

283 المثانى»؛ أورد فيه مؤاخذات كثيرة، على العلاّمتين الزّمخشرىّ و البيضاوىّ، رحمهما اللّه تعالى، و صنّف أيضا «شرح البخارىّ»، و سمّاه ب‍ «الكوثر الجارى على رياض البخارى»، ردّ فى كثير من المواضع فيه على الكرمانىّ، و ابن حجر، و صنّف «حواشى» لطيفة مقبولة على «شرح الشاطبيّة» للجعبرىّ.
و كانت أوقاته كلّها مصروفة فى التأليف و الفتوى، و التدريس و العبادة.
و تخرّج به جماعة كثيرة.
حكى عنه أنّه كان يختم القرآن فى أكثر لياليه، يبتدئ فيه بعد صلاة العشاء الآخرة، و يختمه عند طلوع الفجر.
و كان رجلا طوالا، مهيبا، كبير اللّحية، و كان يصبغها، و كان قوّالا بالحق، لا تأخذه فى اللّه لومة لائم، يخاطب السّلطان و الوزير باسمهما، و إذا لقى أحدا منهما يسلّم عليه السّلام الشّرعىّ، و لا ينحنى له، و يصافحه، و لا يقبّل يده، و لا يذهب إلى السّلطان إلاّ إذا دعاه، و كان كثير النّصيحة لمخدومه السلطان محمّد، قوىّ القلب فى الإقدام بها عليه.
و ممّا يحكى عنه، أنه قال مرّة لمخدومه المذكور معاتبا: إن الأمير تيمور أرسل بريدا فى مصلحة من المصالح المهمّة، و قال له: إن/احتجت فى الطّريق إلى فرس فخذ فرس كلّ من لقيته، و لو كان ابنى شاه رخ.
فتوجّه البريد إلى ما أمر به، فلقى فى طريقه العلاّمة سعد الدّين التفتازانىّ، و هو نازل فى بعض المواضع، و خيله مربوطة بإزاء خيمته، فأخذ البريد منها فرسا واحدا، فظهر السّعد إليه من الخيمة، و أمسكه و أخذ الفرس منه، و ضربه ضربا شديدا.
فرجع البريد إلى تيمور، و أخبره بذلك، فغضب غضبا شديدا، ثم قال: لو كان ابنى لقتلته، و لكن كيف أقتل رجلا ما دخلت إلى بلدة إلا و قد دخلها تصنيفه قبل دخول سيفى.
ثم قال الكورانىّ: إن تصانيفى تقرأ الآن بمكة، و لم يبلغ إليها سيفك.
فقال له السّلطان محمّد خان: نعم، كان الناس يكتبون تصانيفه، و يرحلون من سائر الأقطار إليها، و أمّا أنت فكتبت تصنيفك، و أرسلت به إلى مكة.

الصفحة 283