كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 1)

292 أولئك، من مال نفسه، على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك، فقال: يا أبا عبد اللّه، مالنا أكثر من مالك، فلم تغرم، و تضيف ذلك إلينا؟
فقال: و اللّه يا أمير المؤمنين، لو أمكننى أن أجعل ثواب حسناتى لك، و أجهد فى عمل غيرها لفعلت، فكيف أبخل بمال أنت ملّكتنيه على أهلك الذين يكثرون الشكر، و يتضاعف فيهم الأجر.
فوهبه الواثق مائة ألف درهم، ففرّقها كلّها فى بنى هاشم.
و قال محمّد بن عمر الرّومىّ: ما رأيت أحضر حجّة من أحمد بن أبى دواد؛ قال له الواثق يوما: يا أبا عبد اللّه، رفعت إلىّ رقعة، فيها أنك ولّيت القضاء رجلا أعمى.
قال: نعم، يا أمير المؤمنين، هذا رجل من أهل الفضل، ولّيته ثم بلغنى أنّه أصيب ببصره، فأردت أن أصرفه، فبلغنى أنّه عمى من كثرة بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت له ذلك، و أمرته أن يستخلف.
قال: و فيها أنك أجزت شاعرا مدحك بألف دينار.
قال: نعم، أجزته بدونها، و هذا شاعر طائىّ-يعنى أبا تمّام-لو لم أحفظ له إلاّ قوله لأمير المؤمنين المعتصم، يحرّضه على استخلافك، فى قصيدة مدحه بها 1:

و اشدد بهارون الخلافة إنّه
سكن لوحشتها و دار قرار

فلقد علمت بأنّ ذلك معصم
ما كنت تتركه بغير سوار

فطرب، و أمر لأبى تمّام بجائزة.
و قال له الواثق يوما آخر: يا أحمد، لقد اختلّت بيوت الأموال بطلباتك للاّئذين بك.
فقال: إنّ نتائج شكرها متّصلة بك، و ذخائر أجرها مكتوبة لك.
فقال: لامنعتك بعدها.

1) ديوان أبى تمام 155.

الصفحة 292