كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 1)

294 ثم نهض، فقال: أمتع اللّه الإسلام و أهله ببقائك يا أمير المؤمنين؛ فإنّك كما قال النّمرىّ لأبيك الرّشيد 1:

إن المكارم و المعروف أودية
أحلّك اللّه منها حيث تجتمع 2

من لم يكن بأمين اللّه معتصما
فليس بالصّلوات الخمس ينتفع 3

فقيل للمعتصم فى ذلك، لأنه عاده، و ليس يعود إخوته و أجلاّء أهله، فقال المعتصم:
و كيف لا أعود رجلا، ما وقعت عينى عليه قطّ إلاّ ساق إلىّ أجرا، أو أوجب لى شكرا، أو أفادنى فائدة تنفعنى فى دينى و دنياى، و ما سألنى حاجة لنفسه قطّ.
و روى الخطيب فى «تاريخه» بسنده، عن ابن الأعرابىّ، أنه قال: سأل رجل قاضى القضاة أحمد بن أبى دواد أن يحمله على عير، فقال: يا غلام، أعطه عيرا، و برذونا، و فرسا، و جارية.
ثم قال، أما و اللّه لو عرفت مركوبا غير هذا لأعطيتك.
فشكر له الرجل، و قاد ذلك كلّه، و مضى، انتهى.
قلت: و مثل ذلك مروىّ عن معن بن زائدة الشيبانىّ، و هو متقدّم على ابن أبى دواد فى الجود و الوجود، فلعلّ ابن أبى دواد حكى مكارمه الوافرة، و ضارع أخلاقه الظاهرة 4.
و من لطيف ما يحكى هنا، و يشهد لما ذكرنا، عن الصّاحب أبى القاسم إسماعيل بن عبّاد 5، أنه كان يعجبه الخزّ، و يأمر بالاستكثار منه فى داره، فنظر أبو القاسم الزّعفرانىّ يوما إلى جميع ما فيها من الخدم و الحاشية، و عليهم الخزوز الفاخرة الملوّنة، فاعتزل ناحية و أخذ يكتب شيئا، فنظر إليه الصّاحب، و قال: علىّ به.

1) البيتان فى الأغانى 13/ 147، مع تقديم و تأخير.
2) فى الأغانى: «حيث تتسع».
3) صدر هذا البيت فى الأغانى: *أىّ امراء بات من هارون فى سخط*
4) فى ص: «الطاهرة»، و المثبت فى: ط، ن.
5) القصة و الشعر الآتى فى يتيمة الدهر 3/ 194، 195.

الصفحة 294