كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 1)

300 و كان من الأسباب/فى رفع الفتنة، أن الواثق أتى بشيخ مقيّد، فقال له ابن أبى دواد:
يا شيخ، ما تقول فى القرآن، أ مخلوق هو؟.
فقال له الشيخ: لم تنصفنى المسألة، أنا أسألك قبل الجواب، هذا الذى تقوله يا ابن أبى دواد من خلق القرآن شاء علمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و أبو بكر، و عمر، و عثمان، و علىّ، رضى اللّه تعالى عنهم، أو جهلوه؟
فقال: بل علموه.
فقال: هل دعوا الناس إليه، كما دعوتهم أنت، أو سكتوا؟
قال: بل سكتوا.
قال: فهلاّ وسعك ما وسعهم من السّكوت!
فسكت ابن أبى دواد، و أعجب الواثق كلامه، و أمر بإطلاق سبيله، و قام الواثق من مجلسه و هو على ما حكى يقول: هلاّ وسعك ما وسعهم. يكرّر هذه الكلمة.
و كان ذلك من الأسباب فى خمود الفتنة، و إن كان رفعها بالكلية إنما كان على يد المتوكل.
قال: -أعنى ابن السّبكىّ-و هذا الذى أوردناه فى هذه الحكاية هو ما ثبت من غير زيادة و لا نقصان، و منهم من زاد فيها ما لا يثبت، فاحفظ ما أثبتناه، ودع ما عداه، فليس عند ابن أبى دواد من الجهل ما يصل به إلى أن يقول: جهلوه. و إنّما نسبة هذا إليه تعصّب عليه، و الحقّ وسط، فابن أبى دواد مبتدع، ضالّ مبطل لا محالة، و لا يستدعى أمره أن يدّعى شيئا ظهر له، و خفى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و الخلفاء الراشدين، كما حكى عنه فى هذه الحكاية، فهذا معاذ اللّه أن يقوله أو يظنّه أحد يتزيّى بزىّ المسلمين، و لو فاه به ابن أبى دواد لفرّق الواثق من ساعته بين رأسه و بدنه.
قال: و شيخنا الذّهبىّ، و إن كان فى ترجمة ابن أبى دواد حكى الحكاية على الوجه الذى لا نرضاه، فقد أوردها فى ترجمة الواثق من غير ما وجه على الوجه الثابت.

الصفحة 300