كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 1)

302 قيل: فقال المأمون: حدّثنا فلان، و حدّثنا فلان. إلى أن قال لأصحابه: يطلب أحدهم الحديث ثلاثة أيّام، ثم يقول: أنا من أصحاب الحديث! أعطوه ثلاثة دراهم.
قال/: و كان المأمون من الكرم بمكان مكين، بحيث إنّه فرّق فى ساعة ستة و عشرين ألف ألف درهم، و حكايات مكارمه تستوعب الأوراق، و إنّما اقتصر فى عطاء هذا السّائل -فيما نراه و اللّه أعلم-لما رأى منه من التّمعلم 1 و ليس هو هناك، و لعلّه فهم عنه التّعاظم عليه بالعلم، كما هو شأن كثير ممّن يدخل إلى الأمراء، و يظنّهم جهلة، على العادة الغالبة.
و كان المأمون كثير العفو و الصّفح، و من كلامه: لو علم الناس حبّى للعفو لتقرّبوا إلىّ بالجرائم، و أخاف أن لا أوجر فيه. يعنى لكونه طبعا له.
قال يحيى بن أكثم: كان المأمون يحلم حتى يغيظنا.
و قيل: إن ملاّحا مرّ و المأمون جالس، فقال: أتظنّون أنّ هذا ينبل فى عينى، و قد قتل أخاه الأمين؟
فسمعه المأمون، و ظنّ الحاضرون أنه سيقضى عليه، فلم يزد على أن تبسّم، و قال:
ما الحيلة حتى أنبل فى عين هذا السّيّد الجليل.
*قال-أعنى ابن السّبكىّ-: و لسنا نستوعب ترجمة المأمون، فإن الأوراق تضيق بها، و كتابنا غير موضوع لها، و إنما غرضنا أنه كان من أهل العلم و الخير، و جرّه القليل الذى كان يدريه من علوم الأوائل، إلى القول بخلق القرآن، كما جرّه اليسير الذى كان يدريه فى الفقه، إلى القول بإباحة متعة النّساء، ثم لم يزل به يحيى بن أكثم، رحمه اللّه تعالى، حتى أبطلها، و روى له حديث الزّهرىّ، عن ابنى الحنفيّة، عن أبيهما محمّد بن علىّ، رضى اللّه عنه، أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نهى عن متعة النّساء يوم خيبر. فلما صحّ له الحديث، رجع إلى الحقّ.

1) فى ط: «التمعظم»، و المثبت فى: ص، ن، و طبقات الشافعية.

الصفحة 302