كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 1)

304 و من كلامه: اللّهمّ إنّك تعلم أنّى أخافك من قبلى، و لا أخافك من قبلك، و أرجوك من قبلك، و لا أرجوك من قبلى.
*قال ابن السّبكىّ: و الناس يستحسنون هذا الكلام منه، و معناه أن الخوف من قبلى؛ لما اقترفته من الذنوب، لا من قبلك؛ فإنك عادل لا تظلم، فلولا الذنوب لما كان للخوف معنى، و أمّا الرّجاء، فمن قبلك؛ لأنك متفضّل، لا من قبلى، لأنه ليس عندى من الطّاعات و المحاسن ما أرتجيك به.
قال: و الشّقّ الثانى عندنا صحيح لا غبار عليه، و أمّا الأوّل، فإنا نقول: إنّ الرّبّ تعالى يخاف من قبله، كما يخاف من قبلنا؛ لأنّه الملك القهّار، يخافه الطّائعون و العصاة، و هذا واضح لمن تدبّره.
قال المورّخون: و مع كونه كان لا يدرى شيئا من العلم، حمل الناس على القول بخلق القرآن.
قال ابن السّبكىّ: لأن أخاه المأمون أوصى إليه بذلك، و انضمّ إلى ذلك القاضى أحمد ابن أبى دواد، و أمثاله من فقهاء السّوء، و إنّما يتلف السّلاطين فسقة الفقهاء؛ فإنّ الفقهاء ما بين صالح و طالح، فالصّالح غالبا لا يتردّد إلى أبواب الملوك، و الطّالح غالبا يترامى عليهم، ثم لا يسعه إلاّ أن يجرى معهم على أهوائهم، و يهوّن عليهم العظائم، و لهو على الناس شرّ من ألف شيطان، كما أن صالح الفقهاء خير من ألف عابد، و لو لا اجتماع فقهاء السوء على المعتصم، لنجّاه اللّه ممّا فرط منه، و لو كان الذين عنده من الفقهاء على حقّ لأروه الحقّ أبلج واضحا، و لأبعدوه عن ضرب مثل الإمام أحمد، و لكن ما الحيلة و الزمان بنى على هذا! أو بهذا 1 تظهر حكمة اللّه فى خلقه.
و مات المعتصم، فى سنة سبع و عشرين و مائتين.
و ولى الواثق باللّه أبو جعفر هارون بن المعتصم بن الرشيد، و كان مليح الشّعر، يروى أنه كان يحبّ خادما أهدى له من مصر، فأغضبه الواثق يوما، ثم إنّه سمعه يقول لبعض

1) فى طبقات الشافعية: «و بهذا».

الصفحة 304