كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 1)

319 و فتّش 1 عليه و صودر، و الأولى بنا أن نضرب صفحا عن ذكر ما هو شائع عنه بين العوامّ و الخواصّ، من الأوصاف التى لا تليق بمن ينتمى إلى العلم و أهله أن يتلبّس بها، و فضل اللّه أوسع من ذنوبه.
و أمّا صاحب الترجمة، فإنّه قد اشتغل، و دأب، و حصّل، و صار ملازما من قاضى القضاة السّيّد الشريف محمّد، المعروف بمعلول أمير، كما يزعم هو، و اللّه تعالى أعلم.
ثمّ صار مدرّسا فى بعض المدارس بديار العرب، و ألقى بها يسيرا من الدّروس، بحضور من لا يعترضه، لا فى الخطأ، و لا فى الصواب.
و لم يزل طالبا للقضاء، راغبا فى تحصيله، طائرا إليه بأجنحة الطّمع الزائد، و حبّ الرياسة المفرطة، إلى أن بلغ منه مراده، و صار يتولاه تارة، و يعزل منه أخرى.
و من جملة البلاد التى ولى قضاءها فوّة 2، و البحيرة، و الجيزة، و الخانقاة السّرياقوسيّة، و غيرها.
و كان يعامل الرّعايا بكلّ حيلة يعرفها، و كلّ خديعة يقدر عليها، و يتوصّل بذلك إلى أخذ أموالهم، و الاستيلاء على أرزاقهم، فحصّل من ذلك أموالا جزيلة، لا تعدّ و لا تحصى، و أضافها إلى ما ورثه من مال أبيه، و هو فيما يقال عنه كثير جدّا، و مدّة عمره و جميع دهره ما رؤى، و لا سمع، أنّه تصدّق على فقير بكسرة و لا درهم نقرة، و لا أضاف غريبا، و لا وصل قريبا، و أمّا إخراج الزكاة فما أظنّ أنّه قرأ لها بابا، و لا رأت عينه لها أصحابا.
و أمّا الكتب النّفيسة فإن عنده منها ما ينوف على أربعين ألف مجلّد، و أكثرها من كتب الأوقاف، وضع يده عليها، و منع أهل العلم من النّظر إليها، و طالت الأيام، و مضى عليها أعوام، و نسيت عنده، و غيّر شروطها، و محا ما يستدلّ به من كونها وقفا من أوائلها و أواخرها، و زاد و نقص، و صارت كلّها ملكا له فى الظاّهر، و لم يخف اللّه و لا اليوم الآخر.
و قد شاع و ذاع، و ملأ الأفواه و الأسماع، أن أجرة مسقّعات أملاكه و أوقافه تزيد كلّ يوم على عشرين أو ثلاثين دينارا ذهبا.

1) فى ن بعد هذا زيادة: «و امتحن».
2) فوة: بليدة على شاطاء النيل، من نواحى مصر، قرب رشيد. معجم البلدان 2/ 924.

الصفحة 319