كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 1)

خَبَرِهِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا يَجْتَهِدُ أَمْ لَا وَلَك أَنْ تَقُولَ قَدْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ بِأَنَّ الْإِيهَامَ فِي الْخَبَرِ يُورِثُ فِيهِ رِيبَةً لَكِنَّهَا لَيْسَتْ قَوِيَّةً فَلَمْ تَقْوَ عَلَى رَدِّهِ مُطْلَقًا بَلْ مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِاجْتِهَادِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَشَقَّةِ وُجُوبِ غَسْلِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ لَا مَشَقَّةَ حِينَئِذٍ فَجَازَ الْقَبُولُ ثُمَّ فَرْضُهُ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ بِهِ نَظَرٌ إنْ أَرَادَ بِالْجَوَازِ إبَاحَةً؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِحُرْمَةِ الْقَبُولِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ بَلْ هُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْوُجُوبَ كَانَ لَهُ وَجْهٌ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهَلْ يَجُوزُ قَبُولُ إلَخْ؟ هَلْ يَجِبُ؟

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ امْرَأَةٍ عَلَى يَدِهَا أَسَاوِرُ فَتَوَضَّأَتْ فَجَرَى الْمَاءُ عَلَى يَدِهَا فَإِذَا وَصَلَ لِلْأَسَاوِرِ فَمِنْهُ مَا يَعْلُو فَوْقَهَا ثُمَّ يَسْقُطُ عَلَى يَدِهَا وَمِنْهُ مَا يَجْرِي تَحْتَهَا ثُمَّ يَجْرِي الْجَمِيعُ عَلَى بَاقِي يَدِهَا بَعْدَ الْأَسَاوِرِ فَهَلْ يَكْفِي جَرَيَانُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِقَوْلِهِ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِذَلِكَ وَأَنَّهُ يَكْفِي جَرَيَانُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ثَوْبٍ صُبِغَ بِنِيلٍ مُتَنَجِّسٍ فَهَلْ يُشْتَرَطُ خُرُوجُهُ صَافِيًا؟ وَحِينَئِذٍ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا تَنَجَّسَ نَحْوُ تُرَابٍ أَوْ عَجِينٍ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَاءً وَأَوْصَلَهُ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ.
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يُشْتَرَطُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْغُسْلِ بِحَيْثُ تَزُولُ أَوْصَافُ الصِّبْغِ وَلَا يَبْقَى إلَّا مَا عَسُرَ زَوَالُهُ مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ؛ لِاخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِأَجْزَائِهِ فَمَا دَامَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَوْصَافِ النِّيلِ الْمُتَنَجِّسِ الَّذِي أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الْعَيْنِ النَّجِسَةِ مَعَ سُهُولَةِ التَّمْيِيزِ فَالنَّجَاسَةُ بَاقِيَةٌ فِي الثَّوْبِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ الْأَنْوَارِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ حَيْثُ قَالَ بِأَنَّ اللَّوْنَ عَرَضٌ، وَالنَّجَاسَةُ لَا تُخَالِطُ الْأَعْرَاضَ وَإِنَّمَا تُخَالِطُ الْعَيْنَ فَإِذَا زَالَتْ الْعَيْنُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ زَالَتْ النَّجَاسَةُ بِزَوَالِهَا.
وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ (إذَا صُبِغَ الثَّوْبُ بِصِبْغٍ نَجِسٍ فَمَا دَامَ عَيْنُ الصِّبْغِ عَلَيْهِ فَهُوَ نَجِسٌ. فَإِنْ زَالَتْ الْعَيْنُ وَبَقِيَ اللَّوْنُ فَهُوَ طَاهِرٌ كَلَوْنِ الْحِنَّاءِ النَّجِسِ) . وَعِبَارَةُ الْغَزَالِيِّ (وَمَا تَعَسَّرَ إزَالَتُهُ كَأَثَرِ الْحِنَّاءِ النَّجِسِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يُعْفَى عَنْهُ) ، وَيُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِهِ كَمَا فِي أَثَرِ الدَّمِ وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ مُصَرِّحٌ بِاشْتِرَاطِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي لَوْ صُبِغَ الثَّوْبُ بِصِبْغٍ نَجِسٍ، ثُمَّ غُسِلَ بِالْمَاءِ وَانْغَمَسَ وَبَقِيَ اللَّوْنُ قَالُوا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَرَفْعِهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الْأَلْوَانِ وَرَفْعِهَا مِنْ الْمَحَلِّ فَإِذَا أَوْرَدَ الْمَاءَ عَلَيْهِ عَلِمْنَا أَنَّ مَا غَمَرَهُ الْمَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ قَدْ زَالَ وَإِنَّمَا بَقِيَ اللَّوْنُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الصِّبْغَ النَّجِسَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ إذَا غُمِرَ بِالْمَاءِ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ، وَاللَّوْنُ دَائِمٌ كَمَا قَبْلَ الْغَسْلِ فَضَعِيفٌ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِمَا يُوَافِقُ مَا مَرَّ وَفَارَقَ ذَلِكَ مَا نَظَرَ بِهِ السَّائِلُ بِأَنَّ الْمُتَنَجِّسَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَائِعٌ وَهُوَ مُتَعَذِّرُ التَّطْهِيرِ بِخِلَافِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا صُورَتُهُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا جُمِعَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ وَالْقَلِيلِ الْمُكَمَّلِ قُلَّتَيْنِ بِمَائِعٍ لَا يُغَيِّرُهُ حَيْثُ يَتَأَثَّرُ هَذَا الثَّانِي بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَأَيْضًا فَقَدْ نَزَّلُوا الْمَائِعَ الْمُسْتَهْلَكَ فِي الثَّانِي مَنْزِلَةَ الْمَاءِ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْجَمِيعِ لَا فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِزَالَةَ النَّجَسِ مِنْ بَابِ الرَّفْعِ وَدَفْعَ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ الدَّفْعِ، وَالدَّافِعُ أَقْوَى مِنْ الرَّافِعِ فَالدَّافِعُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الرَّافِعِ قِيلَ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ كَوْنِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ كَانَ فِي عَوْدِهِ طَهُورًا وَجْهَانِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْقُلَّتَيْنِ ابْتِدَاءً لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا بِلَا خِلَافٍ اهـ.
فَهَلْ هَذَا الْفَرْقُ صَحِيحٌ؟ وَكَيْفَ صُورَةُ الدَّفْعِ وَصُورَةُ الرَّفْعِ؟ وَمَا وَجْهُ قُوَّةُ الدَّافِعِ؟
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِقَوْلِهِ: هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْقَلِيلَ الْمُسْتَعْمَلَ هَلْ الْعِلَّةُ فِي عَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ كَوْنُهُ مَسْلُوبًا أَوْ مَغْلُوبًا؟ وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي وَمَعْنَى السَّلْبِ أَنَّ الطَّهُورَ بِهِ قُوَّةُ التَّطْهِيرِ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ بِشَرْطِهِ سَلَبَ مَحَلُّ الْحَدَثِ تِلْكَ الْقُوَّةَ مِنْهُ كَمَا أَنَّ الْحِنَّاءَ فِيهِ قُوَّةُ الصِّبْغِ فَإِذَا حُنِّيَتْ بِهِ يَدٌ سَلَبَتْ مِنْهُ تِلْكَ الْقُوَّةَ بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا حُنِيِّ بِهِ ثَانِيًا لَمْ يَصْبُغْ. وَمَعْنَى كَوْنِهِ مَغْلُوبًا أَنَّهُ إذَا تُطُهِّرَ بِهِ مَعَ قِلَّتِهِ فَأَصْلُ مَعْنَى التَّطْهِيرِ بَاقٍ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ ضَعُفَ بِانْتِقَالِ الْمَانِعِ إلَيْهِ فَصَارَ مَغْلُوبًا لِذَلِكَ. إذْ الْمَانِعُ حِينَئِذٍ شَبِيهٌ بِنَحْوِ صَبْرِ الْمَحَلِّ فِي مَاءٍ فَعُذُوبَةُ الْمَاءِ بَاقِيَةٌ فِيهِ غَيْرُ مَسْلُوبَةٍ عَنْهُ لَكِنَّ مَرَارَةَ الصَّبْرِ قَدْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ فَغَلَبَتْ عُذُوبَتَهُ فَالْمَانِعُ مِثْلُهُ فِي انْتِقَالِهِ مِنْ الْعُضْوِ إلَى الْمَاءِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا.
فَالْمُسْتَعْمَلُ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ مَسْلُوبٌ،

الصفحة 11