كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 1)

إلَى الْبَطْنِ وَخَرَقَ الْهَوَاءَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِانْفِصَالِهِ، وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ وَيَعْنِي بِهِ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ الْفُورَانِيَّ.
قَالَ الْإِمَامُ فِي هَذَا فَضْلُ نَظَرٍ فَإِنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَهِيَ مُتَفَاوِتَةُ الْخِلْقَةِ وَقَعَ فِي جَرَيَانِهِ بَعْضُ التَّقَاذُفِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ هَذَا كَيْفَ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِالِاعْتِنَاءِ بِهَذَا أَصْلًا فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَهُوَ عَفْوٌ مُطْلَقًا وَأَمَّا التَّقَاذُفُ الَّذِي لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا فَإِنْ كَانَ عَنْ قَصْدٍ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ، وَإِنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ أَمْثَالَ هَذَا لِلْأَوَّلِينَ وَمَا وَقَعَ عَنْهُ بَحْثٌ مِنْ سَائِلٍ وَلَا تَنْبِيهُ مُرْشِدٍ اهـ. لَفْظُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ (وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ يَتَرَدَّدُ عَلَى الْعُضْوِ فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ وَيُقَال: لَا مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ وَبَدَنُ جُنُبٍ كَعُضْوِ مُحْدِثٍ وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ انْفِصَالُهُ إلَى بَاقِي بَدَنِهِ وَقِيلَ إنْ نَقَلَهُ ضَرَّ) اهـ.
هَذِهِ عِبَارَتُهُ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا وَفِي الْعُمْدَةِ لِابْنِ النَّحْوِيِّ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ، وَقِيلَ: لَا مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا كَعُضْوِ وَبَدَنِ جُنُبٍ كَمُحْدِثٍ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَقِيلَ: يَضُرُّ انْفِصَالُهُ إلَى بَاقِي بَدَنِهِ، وَقِيلَ: إنْ تَقَاصَرَ اهـ.
لَفْظُ الْعُمْدَةِ. فَعِبَارَتُهُ فِيهَا حَذْفُ لَا بَعْدَ قِيلَ فَهَلْ يُقَالُ: إنَّهُ وَقَفَ عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ نُسَخِ التَّحْقِيقِ بِحَذْفِ لَا؟ وَعِبَارَةُ جَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ (أَوْ جَرَى عَلَى عُضْوٍ أَصْغَرَ قِيلَ: أَوْ أَكْبَرَ) وَفِي شَرْحِهِ إذَا انْفَصَلَ الْمَاءُ مِنْ عُضْوٍ إلَى آخَرَ يَجْرِي الْمَاءُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَمُسْتَعْمَلٌ وَفِي الْيَدَيْنِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَوْ فِي الْأَكْبَرِ. فَالْأَصَحُّ فِي التَّحْقِيقِ وِفَاقًا لِلرُّويَانِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ بَقَاءُ طَهُورِيَّتِهِ إذْ جَمِيعُهُ كَعُضْوٍ، وَرَجَّحَ الْخُرَاسَانِيُّونَ خِلَافَهُ اهـ.
وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُنْتَقَى وَإِنْ انْفَصَلَ مِنْ عُضْوٍ لِآخَرَ فِي الْوُضُوءِ فَمُسْتَعْمَلٌ وَفِي الْبَيَانِ وَجْهٌ شَاذٌّ فِي الْيَدَيْنِ أَوْ الْجَنَابَةِ صَحَّحَ الْحَاوِي وَالْبَحْرُ الْمَنْعَ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَرَجَّحَ الْخُرَاسَانِيُّونَ خِلَافَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ: إنْ قُصِدَ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
فَهَذَا الْإِمَامُ النَّسَائِيّ الْمَوْصُوفُ بِالتَّحْقِيقِ الْعَظِيمِ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ نَقَلَ عَنْ التَّحْقِيقِ عَدَمَ الِاسْتِعْمَالِ، وَاعْتَمَدَ ابْنُ النَّحْوِيِّ عَدَمَ الِاسْتِعْمَالِ وَنَقَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ التَّحْقِيقِ الِاسْتِعْمَالَ، وَكَذَا ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَكَذَا الشَّيْخُ زَكَرِيَّا، وَنَقَلَهُ عَنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْغُرَرِ (وَلَوْ انْفَصَلَ مَاءُ الْجُنُبِ مِنْ عُضْوٍ إلَى آخَرَ فَوَجْهَانِ: الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبَيْ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ مَنْعُ اسْتِعْمَالِهِ وَرَجَّحَ الْخُرَاسَانِيُّونَ خِلَافَهُ) حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَرَجَّحَ فِي تَحْقِيقِهِ الثَّانِيَ وَوَهِمَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ رَجَّحَ فِيهِ الْأَوَّلَ وَعِبَارَتُهُ فِيهِ (وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ) فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ وَبَدَنُ جُنُبٍ وَكَعُضْوٍ مُحْدِثٍ وَقِيلَ لَا يَضُرُّ انْفِصَالُهُ إلَى بَاقِي بَدَنِهِ اهـ.
وَكَانَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا يُقَدِّرُ عِبَارَةَ التَّحْقِيقِ بِنَحْوِ هَذَا التَّقْدِيرِ وَبَدَنُ جُنُبٍ كَعُضْوِ مُحْدِثٍ أَيْ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ يَتَرَدَّدُ عَلَى بَدَنِ الْجُنُبِ، فَإِنْ فَارَقَ الْمَاءُ بَدَنَ الْجُنُبِ وَلَوْ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِنْهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا؛ فَيَحْسُنُ مَعَ التَّقْدِيرِ. هَذَا إثْبَاتٌ لَنَا، وَلَنَا أَنْ نَقُولَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ؛ أَيْ فَارَقَ الْبَدَنَ جَمِيعَهُ وَانْفَصَلَ عَنْهُ إلَى خَارِجٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُفَارَقَةَ إلَى بَعْضِهِ لِأَنَّ كُلَّهُ كَعُضْوِ وَاحِدٍ، وَمَعَ هَذَا يَسْقُطُ احْتِجَاجُهُ وَيَدُلُّ لَنَا مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَتَأَمَّلُوا كَلَامَهُ هَذَا فِي اعْتِمَادِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّ تَعْلِيلَهُمْ لِلْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِيمَا إذَا انْتَقَلَ مَاءُ الْمُتَوَضِّئِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ بِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِأَنَّهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ يَرُدُّ مَا قَالَهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ هَذَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ مُتَمَيِّزَانِ وَإِنَّمَا عَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ؛ لِلضَّرُورَةِ فِيهِ. أَعْظَمُ شَاهِدٍ عَلَى رَدِّ مَا اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي التَّيَمُّمِ مَا لَفْظُهُ (قَالُوا: فَإِنْ قِيلَ: إذَا سَقَطَ فَرْضُ الرَّاحَتَيْنِ صَارَ التُّرَابُ الَّذِي عَلَيْهِمَا مُسْتَعْمَلًا فَكَيْفَ يَجُوزُ مَسْحُ الذِّرَاعَيْنِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَاءِ الَّذِي غَسَلْتَ إحْدَى الْيَدَيْنِ بِهِ إلَى الْأُخْرَى؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا جَازَ تَقْدِيمُ الْيَسَارِ عَلَى الْيَمِينِ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِانْفِصَالِهِ وَالْمَاءُ يَنْفَصِلُ عَنْ الْيَدِ الْمَغْسُولَةِ فَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا. الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا هُنَا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُيَمِّمَ الذِّرَاعَ بِكَفِّهَا، بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْكَفِّ الْأُخْرَى فَصَارَ كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ، وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ) اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. فَقَوْلُهُ: (كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ) فِيهِ أَعْظَمُ شَاهِدٍ وَدَلِيلٍ عَلَى أَنَّ نَقْلَ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ

الصفحة 13