كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 1)

ذَكَرَاهَا مُسْتَقِلَّةً؟ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْإِمَامِ ابْنِ النَّحْوِيِّ وَالدَّمِيرِيِّ التَّقْرِيرُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالِاسْتِعْمَالِ لِشَيْءٍ لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِكَلَامِهِمَا مَعْنًى آخَرَ لَمْ يُدْرِكْهُ فَهْمُنَا فَبِاَللَّهِ أَمْعِنُوا النَّظَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَانْظُرُوا تَعْلِيقَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِ وَانْظُرُوهُ نَظَرًا تَامًّا وَأَمْعِنُوا فِي تَحْقِيقِ طَلَبِ ذَلِكَ فَضْلًا مِنْكُمْ مَأْجُورِينَ.
(فَأَجَابَ) - شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ - بِقَوْلِهِ: قَوْلُ الْمَجْمُوعِ (لَوْ كَانَ عَلَى يَدِهِ عَجِينٌ. .. إلَخْ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا وَهُوَ مَا فَهِمَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ الدَّمِيرِيّ وَغَيْرُهُمَا كَالْفَتَى وَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ فَقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى يَدِهِ عَجِينٌ أَوْ فِي شُقُوقِهَا شَمَعٌ أَوْ تَحْتَ أَظْفَارِهِ وَسَخٌ فَالْغَسْلَةُ الَّتِي تُزِيلُهُ لَا تُحْسَبُ مِنْ الْوُضُوءِ اهـ. لَكِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ تِلْمِيذُ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْبَغَوِيّ بِمَا إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلنِّيَّةِ حُسِبَتْ أَيْ الْغَسْلَةُ عَنْ الطَّهَارَةِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَمَا لَوْ نَوَى التَّنْظِيفَ وَهُوَ نَاسٍ لِلنِّيَةِ اهـ. وَقَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِ عَدَمَ الْحُسْبَانِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ الْأَلْيَقُ بِكَلَامِهِمْ فَإِنْ قُلْت: إطْلَاقُ الْقَاضِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ هَلْ لَهُ وَجْهٌ؟
قُلْت إنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّ الْحَائِلَ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ وَلَا يَزُولُ بِتِلْكَ الْغَسْلَةِ فَالْإِطْلَاقُ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَيَتَغَيَّرُ الْمَاءُ بِهِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْمَاءُ بِهِ وَقُصِدَ مَعَ رَفْعِ الْحَدَثِ إزَالَةُ ذَلِكَ الْحَائِلِ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُوَجَّهُ عَدَمُ ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ يَشْتَرِكُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ لَا يَحْصُلُ ضِمْنًا فَضَرَّ قَصْدُهُ بِخِلَافِ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلَمْ يَضُرَّ قَصْدُهُ وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْمَاءُ بِهِ وَلَا قَصَدَ مَعَ رَفْعِ الْحَدَثِ شَيْئًا آخَرَ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْغَسْلَةَ حِينَئِذٍ لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ وَبِتَأَمُّلِ تَفْصِيلِ الْبَغَوِيِّ بَيْنَ التَّغَيُّرِ وَعَدَمِهِ الَّذِي قَدَّمْته وَأَنَّهُ مِنْ الْمُوَافِقِينَ لِلْقَاضِي فِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِلْحَدَثِ وَالْخَبَثِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ يُعْلَمُ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ الْبَغَوِيّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّ الْغَسْلَةَ عِنْدَهُ لَا تُجْزِئُ عَنْ الْحَدَثِ الْمُقَارِنِ لِلْخَبَثِ
وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ، وَلَمَّا كَانَ لِإِطْلَاقِ الْقَاضِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَجْهٌ بَلْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْخَبَثِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ إذْ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الْحَدَثِ فَلَمَّا أَطْلَقَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، وَفَصَلَ تِلْمِيذُهُ بَيْنَ التَّغَيُّرِ وَعَدَمِهِ وَأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ ذَاكِرًا لِلنِّيَّةِ وَتَارَةً لَا عَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَصْلًا، وَأَنَّ كَلَامَهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ إنَّمَا هُوَ لِمَعْنًى وَمَدْرَكٍ آخَرَ غَيْرِ مَدْرَكِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ اجْتِمَاعِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاجْتِمَاعِ لَا يَزُولُ الْخَبَثُ فَلِأَيِّ مَعْنًى فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَطْلُبُ الطَّهَارَةَ فَلَمْ يَعُدْ قَصْدُ إزَالَتِهَا صَارِفًا مُنَافِيًا لِقَصْدِ إزَالَةِ الْحَدَثِ فَأَجْزَأَتْ الْغَسْلَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالِانْدِرَاجِ أَوْ عَنْ الْخَبَثِ فَقَطْ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ فَمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الِانْدِرَاجِ بَنَاهُ عَلَى قَاعِدَتِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْخَبَثِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْعَجِينِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَسْأَلَةِ اجْتِمَاعِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ أَصْلًا وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ (وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ إلَى مَوْضِعٍ. .. إلَخْ)
يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى مَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ وَيَكُونُ النَّوَوِيُّ وَسَّطَ مَسْأَلَةَ الْعَجِينِ لِأَنَّ لَهَا تَعَلُّقًا بِمَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمُشَابَهَةُ الَّتِي مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا، وَالْجَوَابُ عَنْهَا وَهَذَا مَا فَهِمَهُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ فِي التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ. وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى مَسْأَلَةِ الْعَجِينِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِظَاهِرِ الْعِبَارَةِ وَهُوَ مَا فَهِمَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ فَالتَّعْلِيلُ بِالِاسْتِعْمَالِ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ أَرَادَ الِاسْتِعْمَالَ اللُّغَوِيَّ الَّذِي نَشَأَ مِنْهُ عَدَمُ ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ عَنْ مَحَلِّ الْعَجِينِ لِمَا تَقَرَّرَ فَإِذَا جَرَى إلَى مَحَلٍّ آخَرَ لَا يَرْفَعُ حَدَثَهُ أَمَّا عِنْدَ فَرْضِ التَّغَيُّرِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ فَرْضِهِ فَلِأَنَّ جَرَيَانَهُ إلَى الْمَحَلِّ الْآخَرِ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْ الْمُتَطَهِّرِ إلَى إجْرَائِهِ؛ وَلِذَا عَبَّرَ بِجَرَى وَلَمْ يُعَبِّرْ بِأَجْرِي فَانْتِفَاءُ رَفْعِهِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَوَّلِ النَّاشِئِ عِنْدَ جَرَيَانِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَأَطْلَقَ الِاسْتِعْمَالَ عَلَى مَا يَعُمُّ الِاسْتِعْمَالَ اللُّغَوِيَّ وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ اللُّغَوِيَّ هُوَ الَّذِي نَشَأَ مِنْهُ عَدَمُ الرَّفْعِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ نَشَأَ مِنْهُ الْجَرَيَانُ إلَى الْمَحَلِّ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ

الصفحة 17