كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 1)

إلَيْهِ كَانَتْ الْجُمُعَةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ السَّابِقَةُ وَالْعِبْرَةُ فِي السَّبْقِ بِالتَّحَرُّمِ لَا بِغَيْرِهِ وَأَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ إذَا أَمَرَ بِمَا لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَعَلَى مَنْ خَالَفَهُ التَّعْزِيرُ الشَّدِيدُ الزَّاجِرُ لِأَمْثَالِهِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَيْ مَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى قَوَانِينِهَا تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا مَا لَمْ يَتَتَبَّعْ الرُّخَصَ أَوْ يَحْصُلْ تَلْفِيقٌ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِمَّنْ قَلَّدَهُمْ فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ عُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الِاجْتِمَاعُ لِلْجُمُعَةِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ حَيْثُ أَمْكَنَ.
وَمَتَى خَالَفُوا ذَلِكَ وَصَلَّوْا صَلَاةً فَاسِدَةً أَثِمُوا وَفَسَقُوا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ وَعَزَّرَهُمْ الْإِمَامُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ لَكِنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ إلَّا إنْ تَرَكُوا الْجُمُعَةَ وَإِنْ قَالُوا نُصَلِّي الظُّهْرَ بَدَلَهَا فَيَسْتَتِيبُهُمْ الْإِمَامُ فَإِنْ أَبَوْا قَتَلَهُمْ قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ بِشَرْطِهِ الْمَعْرُوفِ فِي بَابِهِ وَلَا تَحِلُّ أَمْوَالُهُمْ إلَّا إنْ اسْتَحَلُّوا تَرْكَ فَرْضِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ سَوَاءٌ الْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَكُونُونَ مُرْتَدِّينَ فَإِذَا قَتَلَهُمْ بِذَلِكَ كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ وَلَا أَمْوَالُهُمْ إلَّا إنْ بَغَوْا عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَهُ قِتَالُهُمْ كَالْبُغَاةِ إنْ وَجَدَ فِيهِمْ شُرُوطَهُمْ الْمُقَرَّرَةَ فِي بَابِهَا.
وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِكَوْنِ الْإِمَامِ مَالِكِيًّا أَوْ غَيْرَهُ بَلْ إذَا عَدَّدَ الْجُمُعَةَ مَنْ يُجَوِّزُ مَذْهَبُهُ التَّعَدُّدَ وَجَبَ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ أَنْ يُصَلُّوا مَعَ السَّابِقَةِ فَإِنْ لَمْ يُدْرَ سَبْقٌ أَوْ عُلِمَتْ مَعِيَّةٌ أَوْ سَبْقٌ دُونَ السَّابِقِ أَوْ سَبْقٌ وَسَابِقٌ وَنُسِيَتْ عَيْنُهُ أَوْ شُكَّ فِي السَّبْقِ أَوْ الْمَعِيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ فِيمَا عَدَا الْحَالَةَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ ثَانِيًا لِعَدَمِ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ مِنْهُمْ وَفِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إقَامَتُهَا ظُهْرًا وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالتَّقْلِيدِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْعَمَلِ عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَمِنْ وُجُودِ الشُّرُوطِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. وَقَوْلُ الْحَنْبَلِيِّ الْمَذْكُورُ مَا ذُكِرَ عَنْهُ إنْ أَرَادَ تَنْقِيصَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَوْ تَنْقِيصَ مِقْدَارِهِ أُدِّبَ التَّأْدِيبَ الْبَلِيغَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْ مَذْهَبِهِ لِمَذْهَبٍ آخَرَ لِقَصْدِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ فَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَيُصَدَّقُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فِي كَوْنِهِ انْتَقَلَ لَا لِقَصْدٍ دُنْيَوِيٍّ وَحَيْثُ صَحَّ تَقْلِيدُهُ لِإِمَامٍ مُجْتَهِدٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ مَا لَمْ يَرْتَكِبْ مُبْطِلًا فِي اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ.
وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ إذَا أَمَرَ بِعَدَمِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فِي بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِهَا وَإِنْ كَانُوا أَوْ بَعْضُهُمْ مُقَلِّدِينَ لِمَنْ يُجَوِّزُ التَّعَدُّدَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَتَرْكُ التَّعَدُّدِ فَإِنْ خَالَفُوا عَزَّرَهُمْ وَأَثِمُوا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ. كَمَا مَرَّ وَلَا تَحِلُّ أَمْوَالُهُمْ وَلَا رِقَابُهُمْ إلَّا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ وَمُجَرَّدُ مُخَالَفَةِ الْوَاجِبَاتِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَوْ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا لَا يَقْتَضِي كُفْرًا وَلَا حُرْمَةَ زَوْجَةٍ وَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ تَحْلِيلُ حَرَامٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ كَالزِّنَا أَوْ تَحْرِيمُ حَلَالٍ كَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ كَانَ ذَلِكَ التَّحْلِيلُ أَوْ التَّحْرِيمُ هُوَ الْكُفْرُ وَالرِّدَّةُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَرْيَةٍ لَمْ تُقَمْ فِيهَا الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَإِمَامُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُحْسِنْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرُهُ يُحْسِنُ قِرَاءَتَهَا فَهَلْ يَكُونُ لِذَلِكَ الْغَيْرِ الَّذِي يُحْسِنُ قِرَاءَتَهَا عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا وَإِذَا حَضَرَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي يُحْسِنُ قِرَاءَتَهَا وَصَلَّى الْجُمُعَةَ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ الَّذِي لَمْ يُحْسِنْ قِرَاءَتَهَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَرَّةً ثَانِيَةً أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ إحْسَانِ الْقِرَاءَةِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يُبْدِلُ حَرْفًا بِآخَرَ أَوْ يَلْحَنُ لَحْنًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا جَلَسَ الْخَطِيبُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِي جُلُوسِهِ دُعَاءٌ أَوْ قِرَاءَةٌ أَوْ لَا وَهَلْ يُسَنُّ لِلْحَاضِرِينَ. حِينَئِذٍ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِقِرَاءَةٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَفْعِ الصَّوْتِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: ذُكِرَ فِي الْعُبَابِ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَقُلْتُ فِي شَرْحِهِ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِنَدْبِهَا بِخُصُوصِهَا فِيهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ حِبَّانَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي جُلُوسِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ السُّنَّةَ ذَلِكَ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا لِمَزِيدِ ثَوَابِهَا

الصفحة 251