كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 1)

النَّاسُ عَلَيْهِ مِنْ التَّأْمِينِ جَهْرًا سِيَّمَا مَعَ الْمُبَالَغَةِ فَهُوَ مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ الْمَذْمُومَةِ فَيَنْبَغِي تَرْكُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّا إذَا رَقَى الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ هَلْ يَلْتَفِتُ لِإِسْمَاعِهِمْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَمِينَ أَوْلَى.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي سَنِّ غُسْلِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مِنْ شَأْنِ الْمَيِّتِ أَنْ يَكُونَ بِهِ قَذَرٌ وَمِنْ شَأْنِ مَاسِّهِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ تَقَذُّرٍ مِنْهُ فَسُنَّ غُسْلُ غَاسِلِهِ لِإِزَالَةِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ بَلْدَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلنَّصَارَى الْحَرْبِيِّينَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا وَقَدْ تَوَافَقَتْ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ أَنَّ الْوَاصِلَ مِنْهُمْ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَكَذَلِكَ النَّصَارَى وَافَقُوهُمْ أَنَّ الطَّالِعَ إلَى بِلَادِهِمْ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَالنَّصَارَى لَا يَدْفَعُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مَالًا وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ الْبَلَدَ وَكَانَ مَعَهُ مَا يَسْتَحِقُّ الْعُشُورَ أُخِذَ مِنْهُ عَلَى قَاعِدَةِ الْبَلَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى ثُمَّ يُقْسَمُ مَا يُجْمَعُ النِّصْفُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالنِّصْفُ لِلنَّصَارَى ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَهَلْ الْجُمُعَةُ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجُمُعَةُ صَحِيحَةٌ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهَا وَإِنْ كَانَ الْمُقِيمُونَ لَهَا فُسَّاقًا إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي مُقِيمِهَا الْعَدَالَةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا سَلَّمَ إمَامُ الْجُمُعَةِ بِالْقَوْمِ وَخَلْفَهُ مَسْبُوقُونَ فَقَامُوا لِإِكْمَالِ صَلَاتِهِمْ فَهَلْ يَتَخَيَّلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ نَاوِيًا الْجُمُعَةَ وَتَحْصُلُ لَهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْجُمُعَةِ الْجَمَاعَةُ وَوُقُوعُهَا مِنْ أَرْبَعِينَ وَقَدْ وُجِدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مَا يُفْهِمُ جَوَازَ الِاقْتِدَاءِ بِمَسْبُوقٍ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ. إذَا قَامَ لِيَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَتَحْصُلُ لَهُ الْجُمُعَةُ وَعِبَارَتُهُ قَالَ أَيْ الْجَمَّالُ بْنُ كَبَّنَ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامِ الْمَسْبُوقِينَ الَّذِي مِنْهُمْ شَخْصٌ لَيْسَ مِنْهُمْ وَصَلَّى مَعَهُمْ رَكْعَةً وَسَلَّمُوا فَلَهُ أَنْ يُتِمَّهَا جُمُعَةً لِأَنَّهُ وَإِنْ اسْتَفْتَحَ الْجُمُعَةَ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَالْإِمَامُ مُسْتَدِيمٌ لَهَا لَا مُسْتَفْتِحٌ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّهُ وَكَذَلِكَ الرِّيمِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلتَّنْبِيهِ انْتَهَتْ فَأَفْهَمَ تَعْلِيلُهُمْ الْمَذْكُورُ إدْرَاكَ الْجُمُعَةِ فِي صُورَتِنَا لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي صُورَتِهِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَسْبُوقِينَ إذَا قَامُوا لِيُكْمِلُوا الْجُمُعَةَ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَقْتَدُوا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ.
فَإِذَا اقْتَدَوْا بِهِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ وَيُدْرِكَ الْجُمُعَةَ لِمَا عَلَّلُوا بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْمُقْتَدِيَ وَإِنْ اسْتَفْتَحَ الْجُمُعَةَ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَالْإِمَامُ مُسْتَدِيمٌ لَهَا لَا مُسْتَفْتِحٌ فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْمُسَاوَاةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ اقْتِدَاءَ مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ مَعَ الْإِمَامِ بِمَسْبُوقٍ قَامَ لِيُكْمِلَ مَوْجُودٌ فِيهِ مَا عَلَّلُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ الْغَيْرِ الْمُسْتَفْتِحِ مَعَ زِيَادَةِ أَنَّ مَا فِي صُورَتِهِمْ فِيهِ إنْشَاءُ صُورَةِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى، وَلَا كَذَلِكَ فِي صُورَتِنَا فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ لَمَّا قَامَ لِيَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَطْعًا وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِهِ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ أَوْ لَا وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِعَيْنِ مَا ذَكَرُوهُ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا الْمُرَجِّحَةِ لِإِدْرَاكِهَا فِي صُورَتِنَا بِالْأَوْلَى لِأَنَّ صُورَتَهُمْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَصْلِ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ فِيهَا وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَاب امْتِنَاعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إنْشَاءِ صُورَةِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَمَعَ ذَلِكَ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ فَلْيُدْرِكْهَا فِي صُورَتِنَا الَّتِي لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِيهَا بِالْأَوْلَى فَإِنْ قُلْت الْقَائِلُونَ بِإِدْرَاكِهَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ إنَّمَا فَرَّعُوا ذَلِكَ عَلَى اخْتِيَارِهِمْ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ.
أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فَضْلًا عَنْ إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ فَلَا دَلِيلَ فِيمَا قَالُوهُ عَلَى مَا قَدَّمْته قُلْتُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْمَانِعِينَ لِلِاقْتِدَاءِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ عَلَّلُوهُ بِمَا لَا يَأْتِي فِي صُورَتِنَا وَهُوَ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَسْبُوقِينَ لَمَّا أَدْرَكُوا الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ بَعْدَ سَلَامِهِ أَنْشَئُوا بِاقْتِدَائِهِمْ بِبَعْضِهِمْ قُدْوَةً أُخْرَى فِي الْجُمُعَةِ كَانُوا مُنْشَئِينَ لِصُورَةِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالْمُؤْتَمُّ الْمَسْبُوقُ لَمْ يُدْرِكْ جُمُعَةً وَلَا اقْتَدَى قَبْلُ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي اقْتِدَائِهِ بِمَسْبُوقٍ قَامَ لِلتَّكْمِيلِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ لَا مَعْنًى وَلَا صُورَةً وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ إنْشَاءٌ رَبْطُ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ ذَلِكَ الْمَسْبُوقِ التَّابِعِ لِلْإِمَامِ الْمُدْرِكِ لِلْجُمُعَةِ.

الصفحة 254