كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 1)

وَهَذَا الرَّبْطُ يُصَيِّرُهُ تَابِعًا لِلْإِمَامِ وَمُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً لِأَنَّ تَابِعَ التَّابِعِ تَابِعٌ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ إدْرَاكُهُ لِلْجُمُعَةِ.
وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِمَا اخْتَارَهُ ابْنُ كَبَّنَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِلْإِمَامِ تَقْتَضِي الْحُكْمَ بِإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ التَّابِعُ رَكْعَةً فِي جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَوْ بَانَ حَدَثُ الْأَرْبَعِينَ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ لِلْإِمَامِ وَكَذَا لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ تَبَعًا لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَإِذَا صَحَّتْ لِتَابِعِهِ فِي هَذِهِ فَأَوْلَى فِي مَسْأَلَتِنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةِ بِدَرْسِنَا فِي رَمَضَانَ أَثْنَاءَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى» .
فَقُلْت يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُمُومِ أَنَّ مَنْ جَاءَ فَوَجَدَ إمَامَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ وَوَجَدَ مَسْبُوقًا أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَاقْتَدَى بِهِ فِيهَا أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ بِنَصِّ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمُقْتَدِي بِهَذَا الْمَسْبُوقِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَطَارَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاسْتَشْكَلَهَا الْفُضَلَاءُ وَكَأَنَّهَا لَمْ تَطْرُقْ أَسْمَاعَهُمْ إلَّا حِينَئِذٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهَا وَصَمَّمَ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إلَّا لِقَضَاءِ عَقْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَعَ لَمَّا رَأَى بَعْضَ مَا مَرَّ وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا فَرَّعْتُهُ عَلَى الْإِدْرَاكِ. الَّذِي أَفْتَيْتُ بِهِ أَنَّ هَذَا الْمُقْتَدِيَ لَوْ قَامَ لِيَأْتِيَ بِالرَّكْعَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَيْهِ فَاقْتَدَى بِهِ آخَرُ أَدْرَكَ وَلَوْ اقْتَدَى بِهَذَا آخَرُ أَدْرَكَ وَلَوْ اقْتَدَى بِهَذَا آخَرُ أَدْرَكَهَا أَيْضًا وَهَكَذَا وَوَقَعَ الْمَيْلُ إلَى الْقَوْلِ بِالْإِدْرَاكِ لِأَنَّ الْكُلَّ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فَكَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَدْرَكُوهُ فِي رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ وَلَا نَظَرَ لِوُقُوعِ صَلَاتِهِمْ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ بَقَاؤُهُ إلَى السَّلَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ التَّابِعِ كَمَا تَقَرَّرَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا شَنَّعَ بِهِ بَعْضُ الطَّلَبَةِ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَامَ جَمَاعَةٌ مَسْبُوقُونَ لِلتَّكْمِيلِ فَاقْتُدِيَ بِكُلِّ وَاحِدٍ أَدْرَكَ كُلٌّ الْجُمُعَةَ.
وَفِي هَذَا تَعَدُّدٌ لِلْجُمُعَةِ إلَى غَايَةٍ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ اقْتِدَاءَ كُلٍّ مِنْ الْجَائِينَ بِكُلٍّ مِنْ الْمَسْبُوقِينَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اقْتِدَائِهِمْ كُلِّهِمْ بِالْإِمَامِ فِي رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُمْ كُلَّهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِمَسْبُوقٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ تَعَدُّدُ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعَدُّدَ صُورَةِ الْجَمَاعَةِ مَعَ إمْكَانِ عَدَمِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْكُلَّ تَبَعٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْإِمَامِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَعَدُّدٌ أَصْلًا كَمَا مَرَّ.

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ وَبَرَكَاتِ عُلُومِهِ عَنْ رَجُلَيْنِ أَحْرَمَا بِالْجُمُعَةِ مَعَ إمَامِهَا الْأَوَّلُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّانِي أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَقَطْ. ثُمَّ انْتَصَبَ الْإِمَامُ قَائِمًا وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ قَامَ سَاهِيًا أَوْ مُتَدَارِكًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمَا الْقِيَامُ مَعَهُ، الْأَوَّلُ لِيُصَلِّيَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَالثَّانِي لِيُدْرِكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ أَمْ لَا يَجُوزُ لَهُمَا الْقِيَامُ لِلْجَهْلِ بِحَالِ الْإِمَامِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَمَا صُورَةُ الْعِلْمِ الَّتِي يَقُومَانِ مَعَهُ لِيُدْرِكَ كُلٌّ مَعَهُ مَا ذُكِرَ كَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ وَمَا صُورَةُ الْعِلْمِ الَّتِي يَقُومُ فِيهَا الثَّانِي وَيَمْتَنِعُ الْأَوَّلُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْقِيَامُ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِقَوْلِهِمْ وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ لِزِيَادَةٍ كَخَامِسَةٍ سَهْوًا. لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ وَإِنْ كَانَ شَاكًّا فِي فِعْلِ رَكْعَةٍ أَوْ مَسْبُوقًا عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ عَلِمَ الْحَالَ أَوْ ظَنَّهُ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ مُوَافِقًا انْتَظَرَهُ لِأَنَّهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ يَقِينًا أَوْ غَيْرَ مُوَافِقٍ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ، وَصُورَةُ الْعِلْمِ فِيمَا ذُكِرَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَتَتِمُّ بِالثَّانِيَةِ وَيَبْقَى عَلَيْهِ رَكْعَةٌ فَإِذَا قَامَ وَقَامَ مَعَهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَصْلِيَّةٌ لَا زَائِدَةٌ.
وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَلْنَذْكُرْ عِبَارَتَهُ مَعَ طُولِهَا. لِمَا فِيهَا مِنْ الْفَوَائِدِ وَلَفْظُهَا مَعَ الْمَتْنِ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ أَوْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَهَا الْمُجْزِئَ أَوْ لَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ لِمَا مَرَّ سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالْحَالِ أَمْ لَا فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ لَكِنْ يُحْرِمُ بِهَا أَيْ الْجُمُعَةِ حَتْمًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ فَقَوْلُ الْأَنْوَارِ جَوَازًا.
وَقَوْلُ غَيْرِهِ نَدْبًا ضَعِيفٌ إذْ يَلْغُو عَقْدُ الظُّهْرِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي لِمَا أَنَّ الْيَأْسَ مِنْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِسَلَامِ الْإِمَامِ إذْ قَدْ

الصفحة 255