كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 1)

يَتَذَكَّرُ إمَامُهُ تَرْكَ رُكْنٍ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ لَكِنَّ تَذَكُّرَهُ ذَلِكَ لَيْسَ بِكَافٍ وَحْدَهُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ عِلْمِ الْمَأْمُومِ بِتَرْكِهِ لِلرُّكْنِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ مُتَابَعَتُهُ إذَا قَامَ لِيَأْتِيَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ لِقَوْلِهِمْ لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ فَقَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَذَكَّرَ تَرْكَ رُكْنٍ وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا نَاسِيًا فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي الثَّالِثَةِ لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ قَطْعًا لِأَنَّ الثَّالِثَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً سَاهِيًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى.
انْجَبَرَتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ وَصَارَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَحُسِبَتْ لِلْمَسْبُوقِ وَأَدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَحَلَّهَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ الثَّانِيَةِ فَتَتِمُّ بِسَجْدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةِ وَيَلْغُو بَاقِيهَا. اهـ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي رَكْعَةٍ غَيْرِ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ لِحَدَثِهِ أَوْ سَهْوِهِ بِزِيَادَتِهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَرَّ فِي الْجَمَاعَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ بِقِرَاءَتِهَا فَإِنْ عَلِمَ بِزِيَادَتِهَا أَوْ بِحَدَثِهِ لَمْ تُحْسَبْ لَهُ بَلْ لَا تَنْعَقِدُ وَإِلَّا حُسِبَتْ عَنْ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا كَالصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ بِحَالٍ وَقَوْلُ الْقَمُولِيِّ لَوْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ بِكَمَالِهَا.
صَحَّتْ عَلَى الِانْفِرَادِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ وَقَوْلِ غَيْرِهِ إنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُحْدِثِ جَمَاعَةٌ حَتَّى فِي الْجُمُعَةِ إذَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ أَمَّا إذَا أَدْرَكَ رُكُوعَهَا فَقَطْ فَلَا تُحْسَبُ لَهُ مُطْلَقًا انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِتَأَمُّلِ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَمَا قَبْلَهُ يُعْلَمُ اتِّضَاحُ مَا ذَكَرْته فِي صُورَةِ الْعِلْمِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُدْرِكِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمُدْرِكِ التَّشَهُّدِ وَحْدَهُ فِي أَنَّ مَنْ عَلِمَ قِيَامَ الْإِمَامِ لِأَصْلِيَّةٍ تَابَعَهُ وَمَنْ لَا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ وَإِنَّ مَنْ تَابَعَهُ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا أَوْ أَدْرَكَهُ فِي رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ فَإِنْ أَدْرَكَ الْفَاتِحَةَ بِكَمَالِهَا حُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا بِكَمَالِهَا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ الرَّكْعَةُ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ شَرْطَ تَحَمُّلِ الْإِمَامِ لِلْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضِهَا أَنْ يَكُونَ فِي رَكْعَةٍ مَحْسُوبَةٍ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا اتَّفَقَ لِأَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ أَنَّهُمْ مِنْ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ يَقُومُونَ فِي بُرُومَ غَالِبَ سَنَتِهِمْ.
وَذَلِكَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ السَّنَةِ ثُمَّ فِي بَاقِي السَّنَةِ يَنْتَقِلُونَ مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى تُسَمَّى الْهَجْلَةَ فَيُقِيمُونَ بِهَا بَاقِيَ السَّنَةِ خَوْفًا مِنْ مَحْذُورِ الْإِفْرِنْجِ وَقْتَ تَوَهُّمِ خُرُوجِهِمْ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ فَاسْتَمَرَّ حَالُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مُدَّةً مَدِيدَةً يَزِيدُ قَدْرُهَا عَلَى عِشْرِينَ سَنَةً بِحَيْثُ إنَّهُمْ قَدْ بَنَوْا بِالْقَرْيَةِ. الْمُسَمَّاةِ بِالْهَجْلَةِ دُورًا وَاِتَّخَذُوهَا لَهُمْ وَطَنًا فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْجُمُعَةَ هَلْ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ فِي كِلَا قَرْيَتَيْهَا بُرُومَ وَالْهَجْلَةِ أَيْ فَفِي مُدَّةِ إقَامَتِهِمْ فِي بُرُومَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَتُهَا فِيهَا وَفِي مُدَّةِ إقَامَتِهِمْ بِالْهَجْلَةِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَتُهَا بِهَا كَذَلِكَ، أَمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَتُهَا فِيهِمَا كَذَلِكَ مَعًا لِعَدَمِ وُجُودِ الِاسْتِيطَانِ فِي إحْدَاهُمَا أَمْ تَقُولُونَ إنَّمَا تَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَيْهِمْ فِي بُرُومَ فَقَطْ فِي أَيَّامِ إقَامَتِهِمْ بِهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ الِاسْتِيطَانِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ وَالِانْتِقَالُ الْعَارِضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْهَا إلَى الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ لِحَاجَةٍ. فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِهَا عَنْهُمْ مُدَّةَ إقَامَتِهِمْ بِهَا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ.
فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ تَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ إقَامَتِهِمْ فِي بُرُومَ وَتَنْعَقِدُ جُمُعَةً لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ كَوْنُهَا مَحَلَّ الِاسْتِيطَانِ قُلْنَا فَمَا الْحُكْمُ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ فِي مُدَّةِ أَيَّامِ إقَامَتِهِمْ بِالْهَجْلَةِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ هَلْ تَقُولُونَ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِمْ فِي بُرُومَ وَإِنْ صَارَتْ خَلِيَّةً مِنْ الْمُقِيمِينَ بِهَا كَمَا أَنَّ ذَلِكَ صِفَتُهَا الْآنَ وَتُوجِبُونَ عَلَيْهِمْ إنْشَاءَ سَفَرٍ إلَى بُرُومَ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ لِأَجْلِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِهَا كَمَا رَأَيْتَ أَهْلَ قَرْيَةِ بُرُومَ قَدْ اعْتَادُوا ذَلِكَ فَنَجِدُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ يُنْشِئُونَ سَفَرًا إلَى قَرْيَةِ بُرُومَ وَيُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ بِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا اعْتِقَادًا مِنْهُمْ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَتَنْعَقِدُ لَهُمْ جُمُعَةً وَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا وَمَضَتْ لَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ سُنُونَ كَثِيرَةٌ يَزِيدُ قَدْرُهَا فَوْقَ مَا قَدَّرْنَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ الْآنَ هُمْ بَاقُونَ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِمْرَارِ مَا بَقِيَ تَخَوُّفُهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَجُمْلَةُ الْحَالِ فِي هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ أَهْلَ قَرْيَةِ بُرُومَ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبُهُمْ مُنْذُ بَدَأَ ظُهُورُ الْإِفْرِنْجِ فِي نَوَاحِي.

الصفحة 256