كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 1)

بِلَادِ الْهِنْدِ وَتَعَوَّدُوا الْخُرُوجَ مِنْهَا إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ إلَى الْآنَ ثُمَّ هُمْ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ الْعَزْمِ لَا يَزَالُ دَأْبُهُمْ يَنْتَقِلُونَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ مَا زَالُوا يَتَوَهَّمُونَ خُرُوجَهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ انْقِطَاعَ هَذَا التَّخَوُّفِ لَا يَكُونُ إلَّا بِانْقِطَاعِ شَوْكَةِ الْحَرْبِيِّينَ مِنْ أَرْضِ بِلَادِ الْهِنْدِ وَذَلِكَ إمَّا بِزَوَالِ دَوْلَتِهِمْ وَذَهَابِهَا رَأْسًا أَوْ اسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى جَمِيعِ سَوَاحِلِهِمْ الَّذِينَ يُنْشِئُونَ تَجَاهِيزَهُمْ مِنْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ زَوَالَ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِهَا وَحَالَ انْتِقَالِهِمْ عَنْهَا أَقْرَبُ مِنْ الْقَوْلِ بِانْعِقَادِهَا فِي حَقِّهِمْ فِيهَا فِي الْحَالَيْنِ أَمْ يُقَالُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِهِ
وَمَا قَوْلُكُمْ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْأَنْوَارِ وَشَرْطُ الْكَفِّ عَنْ اعْتِيَادِ النُّزُولِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَالرِّحْلَةِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَلَوْ كَانُوا يَنْزِلُونَ فِي مَوْضِعٍ صَيْفًا وَيَرْتَحِلُونَ شِتَاءً وَبِالْعَكْسِ كَالْأَكْرَادِ وَالْأَتْرَاكِ فَلَيْسُوا بِمُتَوَطِّنِينَ هَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ ذَكَرْنَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَنْوَارِ غَيْرُ الْمَذْكُورِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَلَا يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ بِهِ وَإِنَّمَا مَأْخَذُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ بُرُومَ مُدَّةَ إقَامَتِهِمْ بِهَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَالتَّوَطُّنُ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ وَعِيَادَةٍ وَخَوْفِ غَارَةٍ وَنَحْوِهَا. قُلْنَا قَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِ أَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَعْتَادُونَ النُّزُولَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ السَّنَةِ إلَى الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَذَلِكَ الْوَقْتُ هُوَ وَقْتُ التَّخَوُّفِ مِنْ الْإِفْرِنْجِ وَقْتُ إقْبَالِ مَجِيءِ الْأَذْيَبِ وَأَنَّ نِيَّتَهُمْ النُّزُولُ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الدَّوَامِ مَا بَقِيَ مَعَهُمْ تَخَوُّفٌ مِنْهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْحَالِ مُسْتَشْعِرِينَ خُرُوجَهُمْ أَمْ لَا فَبَيَّنُوا لَنَا ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ لَهُمْ فِي الْقَرْيَتَيْنِ أَوْ تَنْعَقِدُ فِي بُرُومَ فَقَطْ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِهَا فَقَطْ.
قُلْنَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِالْهَجْلَةِ وَوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِبُرُومِ فَقَطْ قُلْنَا فَهَلْ تَقُولُونَ بِجَوَازِ إقَامَتِهَا فِي بُرُومَ حَيْثُ كَانَتْ خَلِيَّةً كَمَا مَرَّ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْ بِاسْتِحْبَابِ إقَامَتِهَا إنْ قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ وَمَا الْحُكْمُ فِي الَّذِينَ لَهُمْ مَالٌ مِنْ نَخْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ الِانْتِقَالُ لِأَجْلِ الْخَرِيفِ كُلَّ سَنَةٍ وَكَانُوا يُقِيمُونَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَنْتَقِلُونَ إلَيْهِ الشَّهْرَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ فَالْفَرْضُ أَنَّ لَهُمْ ثَمَّ دُورًا وَضِيَاعًا وَكَانَ ذَلِكَ دَأْبَهُمْ دَوَامًا مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَكْثَرَ فَهَلْ يُقَالُ إنَّ الْجُمُعَةَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ فِي الْبَلَدِ الَّتِي إقَامَتِهِمْ بِهَا أَكْثَرُ.
كَمَا فِي بُرُومَ فِي حَقِّ بَعْضِ أَهْلِهَا أَمْ يُقَالُ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَكَذَلِكَ الشَّخْصُ إذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فِي بَلَدَيْنِ وَلَهُ مَالَانِ فِيهِمَا أَوْ مَالٌ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَإِقَامَتُهُ فِي الْبَلْدَتَيْنِ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ بَلْ تَارَةً يُقِيمُ بِإِحْدَاهُمَا أَكْثَرَ وَتَارَةً بِالْعَكْسِ.
وَتَارَةً يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ أَوْ قَدْ تَنْضَبِطُ إقَامَتُهُ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ وَمَضَى لَهُ عَلَى هَذَا الْحَالِ نَحْوُ خَمْسِينَ سَنَةً فَمَا الْمُعْتَمَدُ عِنْدَكُمْ فِي انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِ فِيهِمَا وَوُجُوبِهَا عَلَيْهِ فَقَدْ رَأَيْت فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةً مُضْطَرِبَةً فَحَقِّقُوا لَنَا الْمُعْتَمَدَ عِنْدَكُمْ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِي عَلَى الْمِنْهَاجِ وَمَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ. يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا بِمَحَلٍّ شِتَاءً وَبِآخَرَ صَيْفًا لَمْ يَكُونُوا مُتَوَطِّنِينَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَتَوَطَّنُوا مَحَلَّيْنِ مُعَيَّنَيْنِ يَنْتَقِلُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَلَا يَتَجَاوَزُونَهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ تَوَطَّنُوا مَحَلَّيْنِ كَذَلِكَ لَكِنْ اخْتَلَفَ حَالُهُمْ فِي إقَامَتِهِمْ فِيهِمَا فَإِنَّ التَّوَطُّنَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا يُنَاطُ بِمَا يُنَاطُ بِهِ التَّوَطُّنُ فِي حَاضِرِي الْحَرَمِ وَأَفْتَى الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فِي أَهْلِ بَلَدٍ يُفَارِقُونَهَا فِي الصَّيْفِ إلَى مَضَايِعِهِمْ بِأَنَّهُمْ إنْ سَافَرُوا عَنْهَا وَلَوْ سَفَرًا قَصِيرًا لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ.
وَإِنْ خَرَجُوا عَنْ الْمَسَاكِنِ وَتَرَكُوا بِهَا أَمْوَالَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا ظَعْنًا لِأَنَّهُ السَّفَرُ فَتَلْزَمُهُمْ وَلَوْ فِيمَا خَرَجُوا إلَيْهِ إنْ عُدَّ مِنْ الْخُطَّةِ وَإِلَّا لَزِمَتْهُمْ فِيهَا وَمَا قَالَهُ فِي خُرُوجِهِمْ عَنْ الْمَسَاكِنِ ظَاهِرٌ إلَّا قَوْلَهُ وَتَرَكُوا أَمْوَالَهُمْ فَلَيْسَ بِقَيْدٍ وَمَا قَالَهُ فِي سَفَرِهِمْ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ فِي مَضَايِعِهِمْ فَوَاضِحٌ نَعَمْ تَلْزَمُهُمْ إنْ أُقِيمَتْ فِيهَا جُمُعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ أَوْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ فِي بَلَدِهِمْ لَوْ عَادُوا إلَيْهَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ خُرُوجَهُمْ عَنْهَا لِحَاجَةٍ لَا يَمْنَعُ اسْتِيطَانَهُمْ بِهَا إذَا

الصفحة 257