كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 1)

عَادُوا إلَيْهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ الْمَتْنُ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ الْجُمُعَةُ نَعَمْ إنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ وَلَمْ يَخْشَوْا عَلَى أَمْوَالِهِمْ لَوْ ذَهَبُوا لِلْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ مُطْلَقًا وَانْعَقَدَتْ بِهِمْ فِي بَلَدِهِمْ وَلَوْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ أَهْلَ بَلَدٍ عَلَى سُكْنَى غَيْرِهَا فَامْتَثَلُوا لَكِنَّهُمْ عَازِمُونَ عَلَى الرُّجُوعِ لِبَلَدِهِمْ مَتَى زَالَ الْإِكْرَاهُ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ فِي الثَّانِيَةِ بَلْ فِي الْأُولَى لَوْ عَادُوا إلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا عُلِمَ أَنَّ وَطَنَ الْمَذْكُورِينَ إنَّمَا هُوَ بُرُومَ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُمْ أَجْرَوْا فِيمَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ تَفْصِيلَ حَاضِرِي الْحَرَمِ وَقَدْ قَالُوا هُنَاكَ لَوْ كَانَ لَهُ وَطَنَانِ اُعْتُبِرَ مَا إقَامَتُهُ بِهِ أَكْثَرُ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَنَّ إقَامَتَهُمْ بِبُرُومِ أَكْثَرُ فَلْتَكُنْ هِيَ وَطَنَهُمْ بِنَصِّ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ دُونَ الْهَجْلَةِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ بُرُومَ هِيَ وَطَنُهُمْ لَا غَيْرُ فَإِذَا خَرَجُوا عَنْهَا لِحَاجَةِ الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ جَازَ لَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ إنْ كَانَ بِالْهَجْلَةِ أَرْبَعُونَ مُتَوَطِّنُونَ غَيْرُ أَهْلِ بُرُومَ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ وَلَزِمَ أَهْلَ بُرُومَ صَلَاتُهَا مَعَهُمْ وَلَا يُحْسَبُونَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْهَجْلَةِ أَرْبَعُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ بَلَدٍ فِيهَا جُمُعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ لَزِمَتْهُمْ فِيهَا وَإِلَّا صَلَّى الْكُلُّ الظُّهْرَ.
وَأَمَّا رُجُوعُ أَهْلِ بُرُومَ إلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا إنْ زَالَ الْخَوْفُ الَّذِي فَارَقُوا بَلَدَهُمْ لِأَجْلِهِ وَقَرُبُوا مِنْهَا. بِحَيْثُ لَوْ خَرَجُوا مِنْ الْهَجْلَةِ إلَيْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَمْكَنَهُمْ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ فِيهَا كَمَا مِلْت إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ مَا مَرَّ: وَلَوْ خَرَجَ أَهْلُ الْبَلَدِ كُلُّهُمْ لِحَاجَةٍ كَالصَّيْفِ وَأَمْكَنَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِوَطَنِهِمْ فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ السَّعْيُ إلَيْهَا مِنْ حِينِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعَطِّلُوهَا مِنْ الْجُمُعَةِ كَمَا مَرَّ أَوْ يُنْظَرَ فِي مَحَلِّهِمْ فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ أَهْلُهُ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدِهِمْ لَزِمَهُمْ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ فِي حُكْمِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَإِلَّا فَلَا مَحَلَّ نَظَرٍ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. انْتَهَتْ. وَعُلِمَ مِنْ الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ حُكْمُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ إلَى مَضَايِعِهِمْ وَحُكْمُ مَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ بِبَلَدَيْنِ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّا نَعْتَبِرُ مَا إقَامَتُهُ بِهِ أَكْثَرُ فَهُوَ وَطَنُهُ دُونَ الْآخَرِ فَإِنْ اسْتَوَتْ إقَامَتُهُ بِهِمَا اُعْتُبِرَ مَا فِيهِ أَهْلُهُ أَيْ زَوْجَتُهُ أَوْ سُرِّيَّتُهُ وَمَحَاجِيرُ أَوْلَادِهِ دُونَ نَحْوِ آبَائِهِ وَإِخْوَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بِكُلٍّ أَهْلٌ اُعْتُبِرَ مَا إقَامَةُ أَهْلِهِ بِهِ دَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ بِكُلٍّ مَالٌ اُعْتُبِرَ مَا فِيهِ مَالُهُ دَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ بِبَلَدٍ اُعْتُبِرَ مَا فِيهِ أَهْلُهُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي كُلِّ ذَلِكَ انْعَقَدَتْ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ إذَا تَفَرَّقُوا وَسَكَنُوا فِي الْبَوَادِي. عَلَى نَحْوِ فَرْسَخٍ أَوْ فَرْسَخَيْنِ مِنْ بَلْدَتِهِمْ وَيَجْتَمِعُونَ إلَيْهَا لِلْجُمُعَةِ مَعَ أَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهَا فَهَلْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فِي بَلْدَتِهِمْ الْأَصْلِيَّةِ إذَا لَمْ يَكْمُلْ الْعَدَدُ إلَّا بِهِمْ أَمْ لَا وَالْحَالُ أَنَّهُمْ لَا يَجِيئُونَ إلَيْهَا إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فِيمَا ذُكِرَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ سُئِلْت عَنْ بَلْدَةٍ لَا يُقِيمُ أَهْلُهَا بِهَا فِي الصَّيْفِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ إلَى مَصَايِفَ لَهُمْ هَلْ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الظَّعْنَ هُوَ السَّفَرُ فَإِنْ كَانُوا يُسَافِرُونَ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ سَفَرٍ وَلَوْ قَصِيرًا فَلَيْسُوا مُتَوَطِّنِينَ. فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ عَنْ الْمَسَاكِنِ فَقَطْ وَيَتْرُكُونَ بِهَا أَمْوَالَهُمْ وَأَمْتِعَتَهُمْ فَلَيْسَ هَذَا بِظَعْنٍ فَتَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانَ الْفَضَاءُ الَّذِي خَرَجُوا إلَيْهِ مَعْدُودًا مِنْ خُطَّةِ الْبَلَدِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَيَلْزَمُهُمْ فِعْلُهَا فِي خُطَّةِ الْبَلَدِ. اهـ. فَافْهَمْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ مَنْ ذَكَرَهُمْ لَا يُفَارِقُونَ بَلَدَهُمْ إلَّا أَيَّامَ الصَّيْفِ فَقَطْ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ وَالتَّوَطُّنِ فِيهَا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِمْ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا يُسَافِرُونَ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ. بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ سَفَرٍ وَلَوْ قَصِيرًا فَلَيْسُوا بِمُتَوَطِّنِينَ فَإِذَا ذُكِرَ هَذَا فِي هَؤُلَاءِ فَهُوَ فِيمَا فِي السُّؤَالِ أَوْلَى لِأَنَّ بُعْدَهُمْ عَنْ الْبَلَدِ نَحْوَ فَرْسَخٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ سَفَرٌ.
وَيُطْلَقُ عَلَى سَاكِنِيهِ أَنَّهُمْ غَيْرُ مَنْسُوبِينَ لِذَلِكَ الْبَلَدِ مِنْ حَيْثُ الْإِقَامَةُ وَإِنْ نُسِبُوا إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ إذْ الْمُتَغَرِّبُ عَنْ مَكَّةَ مَثَلًا وَإِنْ فَحُشَ بُعْدُهُ عَنْهَا وَطَالَتْ غَيْبَتُهُ يُقَالُ لَهُ مَكِّيٌّ إضَافَةً لَهُ إلَى أَصْلِ مَسْكَنِهِ وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا بِمَحَلِّ غَيْرِهِ فَهُوَ مَكِّيٌّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلَيْسَ مَكِّيًّا الْآنَ مِنْ

الصفحة 258