كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 1)
قَدْرًا فَهَلْ يَجِبُ فَلَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْهُ أَوَّلًا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ لِأَنَّ تَعْيِينَ ذَلِكَ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ تَعَنُّتًا لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالصَّدَقَةِ حَاصِلٌ بِخُرُوجِ أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ: إذَا صِيمَ لِلِاسْتِسْقَاءِ بَعْدَ مُضِيِّ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ شَعْبَانَ فَسُقُوا قَبْلَ الْخُرُوجِ فَخَرَجُوا لِلْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ وَالْخُطْبَةِ فَهَلْ هَذَا الْخُرُوجُ مَعَ تَلَبُّسِهِمْ بِالصَّوْمِ يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ أَمْ لَا لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ وَزَوَالِ السَّبَبِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ لِذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ حَتَّى لَوْ سُقُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ حَالَ الصَّوْمِ لَا يَخْرُجُونَ فِيمَا عَدَا الرَّابِعَ وَالسَّابِقُ لِفَهْمِ الْفَقِيرِ أَنَّهُمْ إذَا سُقُوا قَبْلَ إكْمَالِ الصَّوْمِ اسْتِحْبَابُ الْخُرُوجِ لِمَا ذُكِرَ إنْ كَانَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ لِذَلِكَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَمِنْ الْغَدِ ثُمَّ وَقَعَ فِي النَّفْسِ أَيْضًا أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَيَسُّرِ الِاجْتِمَاعِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ أَوْلَى فَمَا الَّذِي تُعْطِيهِ الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ شَيَّدَ اللَّهُ أَرْكَانَهَا الْغَرَّاءَ بِكُمْ وَلَا زِلْتُمْ فِي نِعَمٍ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ بِازْدِيَادِهَا وَحَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ التَّبْيِيتِ فِي صَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَاتَّفَقَ تَرْكُهُ مِنْ شَخْصٍ هَلْ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ يَصِحُّ وَيَكُونُ آثِمًا بِتَرْكِ التَّبْيِيتِ فَقَطْ.
؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ لَا تَتَقَيَّدُ بِيَوْمٍ وَلَا وَقْتٍ وَأَنَّ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ كَوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَنَّهُمْ إذَا سُقُوا قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَعْدَ تَهْيِئَتِهِمْ لِصَلَاتِهِ بِالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ خَرَجُوا لِلشُّكْرِ بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَتَكَرَّرُ هَذَا الْخُرُوجُ هُنَا خِلَافًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عِبَارَةِ الْإِرْشَادِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَإِذَا أَصَابُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ فَسُقُوا سُنَّ لَهُمْ الْخُرُوجُ فِي بَقِيَّتِهِ إنْ كَانَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ بَاقِيًا وَسَهُلَ اجْتِمَاعُهُمْ وَإِلَّا فَمِنْ الْغَدِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ إذَا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ وَحَيْثُ خَرَجُوا فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ أَوْ الْغَدِ مَا يُسَنُّ لَهُمْ الْخُرُوجُ فِي يَوْمٍ آخَرَ وَالسُّنَّةُ إذَا خَرَجُوا أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ وَإِلَّا كَانَ وَاجِبًا وَكَذَا إذَا أَمَرَهُمْ بِصَوْمِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَاجِبًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ مُنَازِعُونَ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ التَّبْيِيتُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الصَّوْمِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ.
وَمِنْهُ يُؤْخَذُ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَيْضًا أَنَّ الصَّوْمَ صَارَ وَاجِبًا لِذَاتِهِ لَا لِحَيْثِيَّةِ إظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى النِّيَّةِ. وَقَدْ أَوْجَبُوهَا فَمَنْ تَرَكَ التَّبْيِيتَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مَكَانَهُ كَمَا يُفِيدُهُ عُمُومُ كَلَامِهِمْ وَحَيْثُ وَجَبَ الصَّوْمُ هُنَا أَوْ سُنَّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِهِ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ وَقَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ هُوَ تَعَاطِي صَوْمٍ لَا سَبَبَ لَهُ وَهَذَا لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ مُقَارِنٌ فَهُوَ كَإِبَاحَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَاللَّفْظُ لِلْإِرْشَادِ وَإِنْ سُقُوا قَبْلَهُ صَلَّوْا شُكْرًا وَيَتَكَرَّرُ بِتَأَخُّرِهِ هَلْ الْمُرَادُ أَنْ يُؤْتَى بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا بِجَمِيعِ سَابِقِهَا وَلَاحِقِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ فِي الْإِسْعَادِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ صَائِمِينَ وَلَا يَسْتَأْنِفُونَ صَوْمَ الثَّلَاثِ إلَخْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي التَّخْصِيصِ وَالتَّفْصِيلِ وَلَوْ اتَّفَقَ احْتِيَاجُ النَّاسِ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ فَمَا حُكْمُ الصِّيَامِ ابْتِدَاءً وَتَكْرَارًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَصَرِيحُ لَفْظِهِ فَيُتَحَرَّمُ بِهَا شُكْرًا لَا اسْتِسْقَاءً؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِي عَلَى الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ سُقُوا قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَعْدَ تَهْيِئَتِهِمْ لِصَلَاتِهِ بِالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ خَرَجُوا لِلْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ وَصَلَّوْا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِلْمَزِيدِ قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وَخَطَبَ بِهِمْ وَقَوْلُهُ: شُكْرًا مِنْ زِيَادَتِي وَإِذَا فَعَلُوا مَا مَرَّ فَلَمْ يُسْقَوْا تَكَرَّرَ بِتَأَخُّرِهِ أَيْ بِسَبَبِ تَأَخُّرِ الْغَيْثِ جَمِيعُ مَا مَرَّ مِنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَكَذَا خُطْبَتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الصَّوْمُ عَلَى مَا يَأْتِي، فَإِذَا لَمْ يُسْقَوْا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ كَرَّرُوا ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَهَكَذَا إلَى أَنْ يُسْقَوْا فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ عِبَادَهُ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ كَمَا فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ وَالْمَرَّةُ الْأُولَى آكَدُ.
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّةً عَلَى تَوَقُّفِ كُلِّ خُرُوجٍ عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهُ وَمَرَّةً أُخْرَى عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ.
الصفحة 279
281