كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 1)
فِي حَلِّهَا كَسَيْرِهَا وَالْأَبْكَارِ الَّتِي لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ وَلَا جَانٌّ وَالْأَفْكَارِ الَّتِي حَكَّتْ أَفْكَارَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالْبُرْهَانِ وَالنُّقُولِ الَّتِي طَالَمَا خَفِيَ قَبْلَ إظْهَارِهَا خَبَايَا زَوَايَاهَا عَلَى الْأَعْيَانِ وَالتَّرَاجِيحِ وَالنُّقُودِ وَالرُّدُودِ الَّتِي عَوَّلَ عَلَى فَضْلِهِ فِيهَا الْمُتَنَازِعُونَ وَانْتَهَى إلَى قَوْلِهِ فِيهَا الرَّاسِخُونَ أَرَدْت جَمْعَ الْمُهِمِّ فَبَادَرْت إلَى تَتَبُّعِهَا وَبَذَلْت فِيهِ الْجَهْدَ الْجَهِيدَ وَتَفَرَّغْت لِجَمْعِهَا الْأَزْمِنَةَ الطَّوِيلَةَ صَوْنًا لَهَا مِنْ حَاسِدٍ عَنِيدٍ أَوْ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ إلَى أَنْ ظَفِرْت مِنْهَا بِالْكَثِيرِ الطَّيِّبِ وَالْوَلِيِّ الْوَسْمِيِّ الصَّيِّبِ وَالْفَوَائِدِ الْفَرَائِدِ وَالْأَوَابِدِ الْعَوَائِدِ فَدَوَّنْتهَا فِي هَذَا الدِّيوَانِ لِيَعُمَّ النَّفْعُ بِهَا فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَالْأَزْمَانِ وَلِيَعُودَ عَلَى بَرَكَةِ جَمْعِهَا وَحِفْظِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهَا فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَلَا يُجْدِي فِيهَا غَيْرُهَا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ بَدَائِعِ التَّحْرِيرِ وَوَاضِحَاتِ الْبَرَاهِينِ لَا سِيَّمَا فِي الْوَقَائِعِ الَّتِي لَا نَقْلَ فِيهَا.
وَلَا كَلَامَ لِمَنْ سَبَقَهُ يُسْتَضَاءُ بِهِ فِي قَوَادِمِهَا وَخَوَافِيهَا وَلِيَحْصُلَ لِي إنْ شَاءَ اللَّهُ ثَوَابُ ذَلِكَ الْجَزِيلِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي أَرْوَى بِهِ الْغَلِيلَ وَشَفَى بِهِ الْعَلِيلَ حَيْثُ أَفَادَ فِيهِ أَنَّ «الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ» وَأَنَّ الْمُعِينَ عَلَى عَمَلٍ كَعَامِلِهِ حَقَّقَ اللَّهُ لِي فِي ذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَمَلْت وَأَعْظَمَ مِمَّا قَصَدْت وَجَعَلَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى أَنْ أَرْضَاهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَإِلَى أَنْ أَلْقَاهُ إنَّهُ بِكُلِّ خَيْرٍ كَفِيلٌ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَرَتَّبْتُهَا لِيَسْهُلَ الْكَشْفُ مِنْهَا عَلَى الْمُضْطَرِّينَ وَالظَّفَرُ بِمَا فِي زَوَايَاهَا عَلَى الْمُسْتَرْشِدِينَ وَإِذَا اشْتَمَلَ السُّؤَالُ عَلَى مَسَائِلَ مُخْتَلِفَةِ الْأَبْوَابِ فَغَالِبًا أَجْعَلُ كُلَّ مَسْأَلَةٍ بِمَا يَلِيقُ بِهَا وَقَدْ أَذْكُرُهَا جَمِيعًا فِي أَنْسَبِ الْأَبْوَابِ بِمُعْظَمِهَا لِارْتِبَاطِ الْجَوَابِ فِيهَا بِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي الْبَيْعِ.
فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْأَسْئِلَةِ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ بِمَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ لَكِنْ بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ وَالتَّبَعِ فَذَكَرْتُهُ لِارْتِبَاطِ الْكَلَامِ فِيهِ بِمَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ الْأَحَقَّ بِهِ بَابُ الْقَضَاءِ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِيهَا كَثِيرَةٌ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك هَذَا، وَقَبْلَ الْخَوْضِ فِي الْمَقْصُودِ أُقَدِّمُ شَيْئًا مِنْ تَرْجَمَةِ شَيْخِنَا - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ - لِنَعْلَمَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَثِيرًا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ فَأَقُولُ: هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ مُحَمَّدٍ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ عَلِيٍّ نُورِ الدِّينِ بْنِ حَجَرٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ بِالشَّرْقِيَّةِ الْإِقْلِيمِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَقَالِيمِ مِصْرَ وَالْمُسْتَفَاضُ أَنَّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَكِنْ امْتَنَعَ شَيْخُنَا مِنْ كِتَابَةِ الْأَنْصَارِيِّ تَوَرُّعًا سُمِّيَ جَدُّهُ بِحَجَرٍ لِمَا أَنَّهُ مَعَ شُهْرَتِهِ بَيْنَ قَوْمِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ شُجْعَانِهِمْ وَأَبْطَالِ فُرْسَانِهَا كَانَ مُلَازِمًا لِلصَّمْتِ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا لِضَرُورَةٍ حَاقَّةٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَشْغُولٌ عَنْ النَّاسِ بِمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ فَلِذَلِكَ شَبَّهُوهُ بِحَجَرٍ مُلْقًى لَا يَنْطِقُ فَقَالُوا: حَجَرٌ ثُمَّ اُشْتُهِرَ بِذَلِكَ رَآهُ شَيْخُنَا وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ وَالْعِشْرِينَ وَأَمِنَ الْخَرَفَ وَكَانَتْ لَهُ فِي هَذَا السِّنِّ عِبَادَاتٌ خَارِقَةٌ.
أَصْلُ وَطَنِهِ سَلْمُنْتُ مِنْ بِلَادِ بَنِي حَرَامٍ الْآنَ ثُمَّ لَمَّا كَثُرَتْ الْفِتَنُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ انْتَقَلَ مِنْهَا إلَى الْغَرْبِيَّةِ فَسَكَنَ مَحَلَّةَ أَبِي الْهَيْتَمِ وَاسْتَوْطَنَهَا اسْتِرَاحَةً مِنْ شَرِّ أَهْلِ الشَّرْقِيَّةِ.
وَفِتَنِهِمْ وَتَعَرُّضِ السَّلَاطِينَ لَهُمْ لِتَعَرُّضِهِمْ لَهُمْ وَإِنَّمَا آثَرَهَا لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا عَلَى غَايَةٍ مِنْ الدِّيَانَةِ وَاتِّبَاعِ طَرِيقِ الصُّوفِيَّةِ وَفِيهِمْ حُفَّاظٌ كَثِيرُونَ لِلْقُرْآنِ مُدَاوِمُونَ لِقِرَاءَتِهِ وُلِدَ شَيْخُنَا بِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعمِائَةٍ فِي أَوَاخِرِهَا فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فِي حَيَاةِ جَدِّهِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ وَكَثِيرًا مِنْ الْمِنْهَاجِ ثُمَّ مَاتَ جَدُّهُ فَكَفَلَهُ شَيْخَا أَبِيهِ الْعَارِفَانِ الْكَامِلَانِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَمَعْرِفَةً الشَّمْسُ الشِّنَّاوِيُّ وَشَيْخُهُ الشَّمْسُ بْنُ أَبِي الْحَمَائِلِ مِنْ أَعْظَمِ تَلَامِذَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الشَّرَفِ الْمُنَاوِيِّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
وَلِذَا كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا يُبَالِغُ فِي تَعْظِيمِهِ وَيَقُولُ أَخِي وَسَيِّدِي وَلَمَّا كَفَلَاهُ بَالَغَ ابْنُ أَبِي الْحَمَائِلِ فِي وِصَايَةِ تِلْمِيذِهِ الشِّنَّاوِيِّ بِهِ فَنَقَلَهُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَقَامِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ السَّيِّدِ الشَّهِيرِ أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - فَقَرَأَ عَلَى عَالِمَيْنِ كَانَا بِهِ مِنْ مَبَادِئِ الْعُلُومِ ثُمَّ نَقَلَهُ إلَى الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ أَوَّلَ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعمِائَةٍ ثُمَّ سَلَّمَهُ لِرَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ تَلَامِذَتِهِ وَتَلَامِذَةِ شَيْخِهِ الْمَذْكُورِ بِإِشَارَةِ شَيْخِهِ الْمَذْكُورِ فَحَفَّظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا وَأَقْرَأَهُ مَتْنَ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرَهُ وَجَمَعَهُ بِعُلَمَاءِ مِصْرَ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ فَأَخَذَ عَنْ تَلَامِذَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ وَأَجَلُّهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا بَلْ أَكْثَرَ الْأَخْذَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ بَقِيَّتِهِمْ قَالَ: مَا اجْتَمَعْت بِهِ قَطُّ إلَّا قَالَ أَسْأَلُ اللَّهُ أَنْ يُفَقِّهَكَ فِي الدِّينِ وَحَاجَجْت بَعْضَ أَكَابِرِ مَشَايِخِي فِي وُجُودِ الْقُطْبِ وَالْأَوْتَادِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا
الصفحة 3
281