كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 1)
وأما من كان بمكة ذكر الشافعي فيه كلاماً مختلفاً، فقال في «الأم»: فكل من كان يقدر على رؤية البيت لا تجوز صلاته حتى يصيب استقبال البيت، لأنه يدرك صواب استقباله بمعاينةٍ. ثم قال بعد ذلك: ومن كان بمكة لا يرى البيت وأراد المكتوبة لا يحل له أن يدع الاجتهاد في طلب صواب عين الكعبة بالدلائل، فجعل فرضه الاجتهاد وإن كان بمكة وجعل في الأولى فرضه الإحاطة. وليست المسألة على قولين بل هي على اختلاف حالين، فالموضع الذي قال: فرضه اليقين إذا كان الحائل دونها حادثاً كالبناء والسترة، ولا يجوز الاجتهاد بل ينتقل إلى حيث يرى البيت ويصلي إليها على اليقين. والموضع الذي قال: فرضه الاجتهاد إذا كان الحائل دونها من خلقة الأصل كالجبال والتلول ونحوها، فالحاصل من هذا أنه إذا كان بالبعد من مكة ففرضه الاجتهاد، [43 ب/ 2] وإن كان بالقرب منها ينظر، فإن كان الحائل من خلقة الأصل، ففرضه الاجتهاد، هان كان الحائل حادثاً، ففرضه الإحاطة، ومن أصحابنا من قال: إن كان الحائل أصلياً، ففرضه الاجتهاد، لأنه يشق عليه صعود الجبل، ونحوه، وإن كان حادثاً كالأبنية، ففيه وجهان:
أحدهما: أنه كالأصلي، وهو ظاهر كلام الشافعي، لأنه لو كثف المشاهدة أدى إلى تكليف سيراً يشق عليه، ولأن بينه وبين البيت حائلاً يمنع المشاهدة فأشبه إذا كان بينهما جبل.
والثاني: لا يجوز، لأن الاجتهاد لم يجز في هذا الموضع قبل حدوثه، فلا يجوز بعد حدوثه وطرآنه.
فرع
لو استقبل حجر الكعبة، فيه وجهان:
أحدهما: يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: «صلي في الحجر، فإنه من البيت».
والثاني، لا يجوز استقباله وحده، وهو الصحيح، لأنه ليس من البيت قطعاً، بل هو منه بغلبة الظن، فلم يجز العدول عن اليقين لأجله.
الصفحة 448
477