كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 1)
ومن أصحابنا من قال: فيه قولان. ووجه القول الأول ما ذكرنا من الآية والخبر. ووجه القول الثاني، وهو قول أبي حنيفة: أن إدراك العين مع البعد يتعذر. ولهذا تجوز صلاة أهل الصف الطويل على مدى خط مستوي، ولا يجوز أن يتوجه منهم إلى الكعبة إلا بقدر الكعبة، ولكن لن يجاب عن هذا بأن أهل الصف الواحد لا يمكن لأحد منهم أن يقطع بأنه يحاذي الكعبة. وإنما ذلك طريقة الظن فإذا لم يتعين منهم المخطئ لعين الكعبة لم نوجب على أحد منهم القضاء بخلاف هذا.
وقال مالك: من كان في المسجد الحرام ففرضه عين الكعبة ومن كان خارج المسجد في الحرم ففرضه المسجد، ومن كان خارج الحرم من أهل الآفاق ففرضه الحرم، وهذا غلط لما ذكرنا.
مسألة: قال: "فإن اختلف اجتهاد رجلين: لم يسع أحدهما اتباع صاحبه".
وهذا كما قال: إذا كان رجلان في موضع لا يرى البيت منه فاجتهدا في القبلة فأدى اجتهاد أحدهما إلى جهة واجتهاد الآخر إلى جهة، فعلى كل واحد منهما أن يعمل على اجتهاد نفسه، ولا يجوز لأحدهما أن يقلد صاحبه، وإن كان أعلم منه في الاجتهاد، لأنهما اشتركا في الأدلة الموصلة إلى العلم بالقبلة، فلا يجوز لأحدهما تقليد صاحبه كالعالمين في أحكام الشرع لا يقلد أحدهما صاحبه ولا يسع أحد منهما أن يأتم بالآخر، لأن كل واحد منهما يعتقد أن صاحبه متوجه إلى غير القبلة وأنه غير مصيب فيها، فإن ائتم أحدهما بصاحبه كانت صلاة الإمام صحيحة وصلاة المأموم باطلة.
وقال أبو ثور: يجوز أن يأتّم أحدهما بصاحبه ويصلي كل واحد منهما إلى جهة كما يجوز أن يصلي [48 ب/ 2] الناس جماعة حول الكعبة، ويكون إمامهم إلى جهة، والمأموم إلى جهة أخرى، وهذا غلط، لأن كل واحد منهما يعتقد أنه في غير صلاة بخلاف ما قاس عليه، فإن كل واحد مصيب هناك، وإن كان الاجتهاد في جهةٍ واحدة، فقال أحدهما: عن اليمين. وقال الآخر عن الشمال صلى كل واحد منهما على اجتهاد نفسه، فإن أراد الجماعة ليكون أحدهما إمام الآخر.
قال ابن سريج: يجوز. قال أصحابنا: هذا إذا قلنا: الواجب طلب الجهة، فأما إذا قلنا: الواجب إصابة العين، وهو المذهب، لا يجوز كالاختلاف في الجهتين.
الصفحة 458
477