كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 1)
فرع آخر
لو اجتهد قوم فاتفق اجتهادهم إلى جهة فاقتدوا بواحد منهم فلما شرعوا في الصلاة تغير اجتهاد بعضهم إلى جهة أخرى انحرفوا في صلاتهم، فإن كانوا مأمومين خرجوا عن الاقتداء وأتموا لأنفسهم، وإن تغير اجتهاد الإمام، فمن وافقه انحرف معه ومن كان على اجتهاده الأول خرج من صلاته وصلى وحده نصّ عليه الشافعي.
مسألة: قال: "فإن كان الغيم وخفيت الدلائل على رجل فهو كالأعمى". وهذا كما قال: جملته أن الناس ضربان: بصراء وعميان.
فالبصير على ثلاثة أضرب: ضرب يعرف دلائل القبلة وضرب لا يعرفها، وإذا عرف عرف.
وضرب لا يعرفها، وإذا عرف لم يعرف، فإن كان عارفاً ففرضه الاجتهاد على ما ذكرنا ولا فرق فيه بين العالم والعامي. وأما من لا يعرفها، وإذا عرف يعرف نظر، فإن كان الوقت واسعاً للتعلم والاجتهاد بنفسه، فالحكم فيه كالعالم إذا كان هناك من يعلمه وإن ضاق الوقت ولا يسع للتعليم والاجتهاد فالحكم فيه، وفي العالم إذا خفيت عليه الدلائل بأن حصل في ظلمة أو حبس في موضع يمنع الدلائل أو لم يكن في ظلمة ولا حبس، [49 أ/ 2] ولكن ضاق الوقت عن الاجتهاد، هل له أن يقلد غيره؟.
قال الشافعي: «ههنا فهو كالأعمى» وظاهره أنه يقلد ويقضي. وقال: ولا يسع بصير خفيت عليه الدلائل بل اتباع غيره بحالٍ. وظاهره أنه لا يقلد. واختلف أصحابنا على ثلاثة طرقٍ. وقال أبو إسحق: لا يجوز له تقليد غيره بحالٍ، لأن معه آلة الاجتهاد، وهي البصر. وقول الشافعي: هو كالأعمى، أي: في إعادة الصلاة، لأن الأعمى إذا لم يجد بصيراً يقلده في جهة القبلة صلى على حسب الإمكان، ثم يعيد الصلاة إذا وجد من يقلده. كذلك هنا يصلي على حسب حاله ويعيد إذ بان له الصواب. وهذا ظاهر المذهب.
وقال ابن سريج: لا يختلف المذهب أن له التقليد إذا ضاق وقت الصلاة، لأنه قال: فهو الأعمى. والأعمى يقلد فلذلك. قال: ومن قال: لا يقلد أراد مع اتساع
الصفحة 459
477