كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 1)

علم يقيناً القبلة إلى الغرب استأنف، أي: أعاد هذه الصلاة، ومعنى أن الاجتهاد ينقض بوجود النص، ويرجع منه إليه، وجملة الكلام فيه أنه إذا اجتهد في القبلة فأخطأ، لا يخلو إما أن يكون قبل الدخول في الصلاة أو بعد الدخول فيها أو بعد الفراغ منها، فإن كان قبل الدخول عدل عن الاجتهاد الأول إلى الثاني سواء بان له الخطأ اجتهاداً أو يقيناً أو تيامناً أو تياسراً، وإن كان بعد الدخول في الصلاة لا يخلو إما أن يتبين له الخطأ بالاجتهاد أو باليقين، فإن كان بالاجتهاد نظر، فإن كانت الجهة واحدة وغلب على ظنه الآن أنه منحرف عن سمت القبلة إما تيامناً أو تياسراً انحرف إليها ويعتد بما مضى قولاً واحداً؛ لأن ذلك لا يقع عن يقين وإنما يقع عن ظن لأن الجهة الواحدة لا تتبين منها الكعبة يقيناً.
ومن أصحابنا من قال: تبطل صلاته ويلزمه أن يستأنفها بالاجتهاد الثاني، لأن الصلاة الواحدة لا يجوز أداءها باجتهادين مختلفين كالحكم الواحد لا تجوز باجتهادين مختلفين، وهذا غلط بخلاف النص وذلك أنه لا يجوز إبطال ما فعله بالاجتهاد باجتهاد آخر، ولا يمنع ما ذكر هذا القائل، لأن المستأنف يصلي إلى جهة، فإذا زال الخوف أتمها إلى القبلة ويخالف الحكم، لأنه لا يمكن فيه، ولأن كل ركن من أركان الصلاة بمنزلة الحكم [52 أ/ 2] المنفرد، لأن الحكم لا يمكن فصل بعضه عن بعض، لأنه شيء واحد، والصلاة إذا أتى بعضها مع الأركان فقد أتى بما يسمى صلاة فلا يجوز إبطالها بهذا لئلا يؤدي إلى ما ذكرنا، فوزان الحكم من الصلاة أن يقول: الله ولم يتم التكبير حتى تغير اجتهاده يلزمه ترك الاجتهاد الأول، والابتداء بالتكبير ثانياً، وإن كانت جهتان مختلفتان مثل أن يصلي إلى الغرب ثم بان أنها إلى الشرق (بالاجتهاد)، وعدل عن الأول، وهل يبني أم يستأنف المذهب أنه القبلة الثانية التي ذكرناها.
ومن أصحابنا من قال: يستأنفها لأنه لو بنى تيقن أنه ترك القبلة في بعض هذه الحالة، وقال أبو حامد: فيه وجهان، وهو غلط، وقيل: ههنا تفصيل فإن كان حين بان له الخطأ بان له جهة القبلة تحول إليها، وإن احتاج إلى اجتهاد بطلت صلاته لأن استدار الصلاة إلى غير قبلة، وإن بان يقيناً نظر فإن كانت الجهة واحدة بالتيامن والتياسر انحرف ما لم يتفاحش انحرفه حتى يقارب الجهتين وتحريه، لأنه لا يعرف ذلك إلا اجتهاداً حتى لو كان بمكة لا يجوز الانحراف في الصلاة، وإن كانت الجهة أبين فيه قولان:
أحدهما: يبني.

الصفحة 465